تخطي التنقل

Daily Archives: أفريل 3rd, 2007

ألعاب سوريالية

عبدالقادر الجنابي

 

حظ الكلمات من التعريف الحر
أن يجتمع ثلاثة أشخاص في غرفة. يتم اختيار حوالي 66 كلمة مراد تعريفها. تُكتب مرقّمةً من 1 إلى 66، على كاغد طوله متر ونصف، ثم يُعلّق على حائط. يُعطى لكل شخص 22 وريقة وقلم مميّز اللون. يسجل كل لاعب، خفية، على إحدى الوريقات التي أعطيت إليه كلّ ما يطرأ على ذهنه، وهو يتحدث، يضحك أو يأكل، من جملة يظنها مفيدة. بعد الانتهاء من كتابة الوريقات الـ66 الملفوفة على شكل سيجارة، تخلط الأوراق كلها في سلة (دون أن يعرف واحدهم ما كتبه الآخر)، ويبدأ السحبُ حسبَ التتابع المقترح بينهم – من هو أول، ثان وثالث – حتى تفرغ السلّة. إن الورقة الأولى التي سُحبت هي تعريف للكلمة التي تحمل رقم واحد، الملصوقة على الكاغد المعلّق، والورقة التي يسحبها الشخص الثاني هي تعريف للكلمة التي تحمل رقم 2 والثالث للكلمة المرقمة 3، وهكذا دواليك.

(اقرأ التفاصيل)

نموذج للحوارات السوريالية التي اجروها السورياليون انفسهم

ما إن وجد السورياليون، في أول هجومهم على العقلانية المميتة، الشعرَ سجينَ وسائل تعبير ضيقة، حتى فكروا باختراع طرق جديدة لإطلاق عنانه، فإلى جانب الكتابة الآلية التي فتحت اللغة نحو آفاق غير معهودة من قبل، أخترعوا طريقة حوارات جديدة تلعب فيها الصدفة الموضوعية دورا لا يمكن أن يتصورها العقل العادي. والحوار السوريالي هذا يتطلب الإجابة على سؤال لا تعرف كنه. فمثلا إذا أردت أن تجري حوارا مع شاعر، وأردت أن تبدأ بسؤال كـ”ما هي المرآة؟”، اكتمْ عنه كلمة “المرآة”، طارحا سؤالك على النحو التالي: “ما هي…؟” (اقرأ التفاصيل)

حوارات سوريالية مع أدونيس، سعدي يوسف ومحموددرويش

في عز ربيع عام 1991، التقيت بأدونيس في مقهى في حي سان جيرمان…  في ذلك اللقاء اقترحت عليه هذه اللعبة ففرح بلعبها ولم يكن له علم بها. شرحت له بأني سأسأله أسئلة غيب أي لا يعرف لبها وإنما فقط أدوات لمعرفة صياغة الجواب: “متى..”، “لماذا…”، “ما هو… “، “ما هي…”، “هذا الذي…”، “هل لــ…” الخ. فمثلا السؤال (13) كان على الشكل التالي: “هذا الذي يقلل من…” (اقرأ نص الحوارات)

اعرف قصيدة النثر حتى لاتموت غبيا

 

عبدالقادر الجنابي

 

 ما هي قصيدة النثر؟

الجنابي يرد على بنيس بشأن قصيدة النثر

رعاة قصيدة النثر الأمريكية

جروترود شتاين: قصائد نثر تكعيبية

رسل ايدسن: لا كمال لقصائد النثر

ليغرّد النثر عارياً ويسكت ملاك النظم

قصيدة النثر ما قبل بودلير: برتران ودومييه

بودلير: البيان الأول و13 قصيدة نثر

مالارميه: قصيدة النثر كامّحاء الشاعر

رامبو: سبع قصائد نثر

الترجمة كقصيدة نثر: أغاني بيليتيس

قصيدة النثر في الأمداء البعيدة: كلوديل وسيغالين

جاكوب: إعادة صياغة مفهوم قصيد النثر

السوريالية وقصيدة النثر: بروتون وايلوار

قصيدة النثر المفتوحة: ميشو، شار وبونج

قصيدة النثر: سماتها الخارجية والداخلية

 إليوت وقصيدة النثر: هستيريا عند تخوم النثر

قصيدة النثر الروسية

عبدالقادر الجنابي: بيانات وزنية من أجل قصيدة النثر

 

تسيلان: لا أحد يشهد للشاهد

عبدالقادر الجنابي

تقديم وترجمة عبدالقادر الجنابي: شعر باول تسيلان الذي تنفسته اللغة الألمانية المعاصرة هواء طلقاً، جاء من بيت آخر لا يعترف به “أنا” هذه اللغة. وكلامه الذي “أوقفته سكين دفق الماء الطويلة”، على حد تعبير هنري ميشو، سيبقى بمثابة إشارة العصر الحديث التي تومئ بكل تواتر، إلى أن الشعر شهقة مرصودة للإنسان، نتلمسه في الكلمة، في المني في الخواطر حتى تخرس العبارات فينطق صمت رهيب يزيل النفس والكلام،. “الشعر: قد يدل هذا على انقلاب مفاجئ للنفس، استدرك الشاعر. ومادام “أن القلب قد ظل مختبئاً في العتمة صلبَ العود وكأنه حجر الفلاسفة”، عادت كل جملة شعرية مرآةً تعكس لنا محنة العقل العميقة.
باول تسيلان شاعر قلق الألفاظ بارانوئي الصورة، ذو حسية عيناء. لغتها، المتدفقة عبر الألم، تضيء فينا إلحاح القصيدة قلقاً وحرية في آن. شعره قد تمخّض عن التيهان البشري

اقرأ أيضا:

ورقة بلا شجرة بين بريشت وتسيلان

الخريف بين ريلكه وتسيلان

مقارنة بين ترجمتين لقصيدتين لباول تسيلان

في ردهات الجحيم النازي، ردهات الأنظمة التوتاليتارية من كل نوع. إن وجهة هذا الشعر هي وجهة كل شعر حق، لا تعرف. مادامت شروط الوجود البشري قد حكم عليه بأن يكون كلاماً موجهاً إلى لا أحد، إلى قارئ مستقبلاً، “قنينة مرمية في البحر، في عهدة أمل – لا شك، دوماً هش – أمل أن تـُلتقط ذات يوم، في مكان ما، ربما على شاطئ القلب”.
كل قصيدة من قصائد باول تسيلان بقدر ما هي ارتصاص تاريخي لمعنى الشعر – كاستقصاء للواقع وليس تزويقاً له – هي كذلك مرآة ارهاصات هذا المعنى، إذ يترنح من شدة صوابه. لقد قدر لها أن تُجبل من رمادٍ – طميّ غامض. إنها تضيء، متنافرة اللحمة، بِرَك السعادة السوداء، هامسة في آذان الموتى، عل ذاكرتهم تستيقظ، وها أن الرعب يُسرد بصمت صادق، فالشعر لم يعد فارض نفسه، إنه يعرّضها
LA POESEIE NE S IMPOSE PLUS ELLE S EXPOSE .
الشعر، بقول آخر، لم يعد كما كان قبل قيام الساعة النازية، ساعة الموت الجماعي، مجرد نشاط تجريبي يقوم به الشعراء لخلخلة اللغة وإعادة تضبيطها ضبطاً يتلاءم ومخطط الثورة، ظانين أنه بتطعيم النص بالعقلانية، يتم اصلاح العقل المنزوع من لدن الكلمة، المقذوفة صورته إلى أرض المعرفة، وكأنه – هذا العقل – هو إله الأولين وفكر الجميع. إن محنة طفقت تختلج بها شفةُ التاريخ، محنة بعد أن أدّت بالشاعر وجهةً سوداويةً صميمُها هدم التفاؤلية التي طال زمنها، استردت للشعر “لغتَه المُرْمدة حيث انهمامُها هو الدقة، لغة لا تبدل هيئة ما، ولا تـّشَعـْرِن، وإنما تسمي وتثبـّت، محاوِلةً قياس مجال المعطى والممكن” بحيث أضحت القصيدة المعاصرة كائناً بذاته، ومع أنه ملتاث التعبير ومختلج الوجدان، فإن هذا الكائن (القصيدة المعاصرة) فوران جوًاني يتراءى في جمل متقاطعة السلك، كإدانة للعقل وكتنفيد لكل ادعاءاته التنويرية، عبر العصور، بـ”إحلال الدفء على الأرض، فيتبرعم الموتى ويزهرون”.
إن حداثة القرن العشرين معظم آثارها الوجدانية تعكس هذا التحول النقدي وتـَمزّق هوية الشعر التقليدية. برزت الحداثة هذه في النصف الأول من هذا القرن، على شكل حركاتٍ تـَمازَجها في البدء شيءٌ من التفاؤلية الطليعية (كما في الحركة السوريالية) ثم مالت، انسجاماً وغائيتها الباطنية، إلى الإرتياب الكلـّي في تاريخها عينه، أي في مشروع معطياتها الأولى المترائية أولاً كفلسفة تنوير واعدة “بشر هذه الأرض” بجنـّات عدن، وها هو جليدُ وعدها تذيبُ حقيقتـَه كارثتان: الأولى إبادة جماعية (حربان عالميتان، معسكرات اعتقال وإلخ) والثانية إبادة الحسـّيـّة: مصنع ثقافة جماهيرية حيث ظاهره تسهيل المعرفة وتنوير الناس، وباطنه تجريد هؤلاء الناس من نزعتهم النقدية، شكـّهم الغريزي بنوايا أحزاب التحرر. والتكذيب هذا قد ترك بصماته في ذاكرة اللغة. فها إن القصيدة المعاصرة بوصفها “شكلاً من أشكال ترائي اللغة”، ينشب الاختناق أظافره في لحمها… ، حقا أن باول تسيلان يمكن اعتباره وسط أنوار العماء السياسي، شاعر “أبجدية الظلام”  على حد عنوان كتاب ايمي كولن عنه. 
يمثـّل الشعر، في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة شعر باول تسيلان، حداً فاصلاً. بينما كان الشعر، ما قبل الحرب، رغم تعبيريته عن ذاتية نقدية، ثنائياً في علاقاته باللغة. وهكذا باتت رموزه الصورية تقليدية التطلع والمنحى، أسيرةً للغائية الاجتماعية المُجـَمـّدة في المشاريع الثورية. واعتباراً لهذا، تحولت القصيدة في الغرب، من لعب لفظي كأنها عبارة حلم متسعة بصورة اللاوعي الجماعي فضاق معناها، إلى كلمات منتقاه رصت وكأنها بنى اجتماعية تتواجه ومصيرها الغامض. فالأزمة هي في صميم اللغة. وأن أية معاينة اقتصادية، استقصائية بالضرورة لحقيقة هذه البنى، هي، قبل كل شيء، معاينة لغوية مقتصدة في مفرداتها اقتصاداً يثمر المعنى؛ فعـّالية الكلام الباطنة.

  

صورة 1: غلاف أول كتاب بالعربية عن باول تسيلان وشعره صدر في باريس عام 1988. ضم 21 قصيدة مع نصها الألماني وقصيدتين لهنري ميشو كتبهما بعد وفاة تسيلان.

فالقصيدة هي “المعادل الشعري للواقع السياسي”، كما صرح أحد النقاد. ومن هنا هي كـلـّية تكشف عن واقع مجتمع يعمل باطراد على طمس حقيقته المُعرّاة في لغة التواصل اليومية حيث يسمح لنا بالكلام، لكن علينا “أن نتكلم دون أن نفصل لا عن نعم”. فالحياة، وفقاً لبوصلة هذا المجتمع،”تعيش حيث تموت”. لا يمكن فصل الحاضر عن أحداث الماضي. الشاعر ليس بريئاً في علاقاته باللغة. فهو ينثر مفرداتها عراء الصفحة، ثم يفكك التركيبة الاجتماعية التي تركز عليها اللغة. وهو من خلال فعله الكتابي العامل على تشريب الصورة بالفكرة ومن ثم غربلة هذه الفكرة بغربال الوجدانية القلقة، يستنطق ذاكرة اللغة، فينجلي تاريخ الواقع كله وخاصة ماضي الشاعر الذي يحاول “اعطاء كلمات القبيلة معنى أنقى”، على حد تعبير مالارميه.
لقد استفاد تسيلان من منهج السوريالية الحلمي لكي يسترد بواسطته “المفقود” و”المنسي” اللذين تريد كوابيس التاريخ المعطى تمويهما وإعاقة أي بحث عن جوهرهما. فالحلمية السوريالية وسيلة تحرر من الغشاوة التي يؤصلها مبدأ الواقع القمعي. وحتى لا تعود هذه الطاقة الحلمية مجرد جمالية شعرية للإغواء، على الشاعر أن يطعـّمها بمجازات تجربته الشخصية ودلالاتها الكبرى، أي الغور في أبعد نقطة من تراثه الباطني تساؤلاً. وهذا عين ما قام به باول تسيلان عندما أطلق هذه الحلمية (النابعة من ذائقته الشعرية قبل كل شيء) في فضاء اشكاليات تراثه اليهودي خصوصاً الصوفي المنحى.
لعل السؤال اللجوج في ذاكرة اللغة: من أنا، ومن أنت، يفصح عن جواب يتخطى هذه الثنائية القاتلة. وبما أن تسيلان سوريالي النزعة وعلماني التفكير، فإنه توغل بين ثنايا الرمزية الدينية للصوفية اليهودية، بنحو جعله يحافظ على أن تكون كل قصيدة من قصائده استنارة دنيوية ملتصقة بمصير هذا العالم، لا اشراقة غيبية كما يظن بعض الدارسين. إذ أن ما يحمله شعر تسيلان من رجاء فهو بارقة أمل من أجل هذه الأرض التي نعيش عليها لا غير. ذلك أن شعر باول تسيلان قضيته واضحة، وصوره مستمدة من تاريخ البشر البربرية دينياً أولاً. وقد أوضح تسيلان مشروعه الشعري في إهداء نسخة من كتابه “وردة اللا أحد”، إلى مايكل هامبرغر، بأن شعره “لا يدخل قطعاً باب الشعر المستغلق”. وإذا وجدنا بعض اللاهوت في شعره، فإنه لاهوت سلبي، على حد عبارة هامبرغر. إذ أن الرب (السيّد كما في التراث المسيحي) في شعر تسيلان مدان على الدوام:

كان دماً، كان،
ما أهرقته، يا رب
كان يلمع.
ألقى صورتك في عيوننا، يا رب.
العينان والفم كم هي مفتوحة وفارغة، أبّها الرب.
شربنا، يا رب.
الدم والصورة التي كانت في الدم.
(“ظلمات”)

ولد باول تسيلان، من عائلة يهودية، في الثالث والعشرين من تشرين الثاني 1920 في مدينة جيزنزفيتش في مقاطعة بوكافين الرومانية، بعد أن حصل على شهادة البكالوريا، راح يدرس الطب في مدينة تور (فرنسا)، فتعرف فيها على السوريالية التي ستكون أحد مصادر شعريته المتعددة. عاد إلى جيزنوفيتش، في تموز 1939، ليتابع دروسه الرومانية، وكان في هذه الفترة يوقع كل ما ينشره من تراجم باسم PAUL ANTACHEL .
في حزيران 1940، ضم الاتحاد السوفيتي جزءاً كبيراً من مقاطعة بوكافين ومن بينها مدينة جيزنوفيتش. وقد سبب هذا الضم بالقوة، تحالفاً بين الرومانيين والألمان، فدخلت قواتها بعد عام وطردتا السوفييت. وبعد فترة وجيزة بدأت حملة اعتقالات واسعة في صفوف اليهود، فتم اعتقال والديه منتصف 1942، بينما استطاع تسيلان الفرار، لكنه سرعان ما ألقي القبض عليه، والتحقيق مع سجناء آخرين في وحدة الأشغال الشاقة اليهودية التي أنشأها النازيون لتعبيد الطرق في مولدافيا. وكان هذا عملاً جد قاس لا يحتمل، لكنه يبقى أفضل من معسكرات الاعتقال التي تم في احداها (قرب اوكرانيا) إعدام والده، وبعد أشهر، أمه، رمياً بالرصاص. (لم تكن علاقة تسيلان مع أبيه على ما يرام. كان يرفض أن يتبنى قناعات أبيه الصهيونية، بل كان يستهزئ منها. وقلما نجد إشارة إلى أبيه في قصائده كما إلى أمه التي نكاد نتحسسها في كل قصيدة من قصائده)عندما سمع تسيلان الشديد الارتباط بأمه النبأ، صدم صدمة وجدانية لن يشفى منها أبداً، بل سيُجبـَل شعرُه كلّه من موت أمه هذا، فها هو يهمس ألماً وبلغته المعهودة المترفعة عن كل ابتذال عاطفي*:

إنك لم تموتي
ميتة أرجوانية اللون

ولاحظ بعض النقاد أنه قد هجر القافية وكأنها الجريمة عينها. والقصائد المقفاه تعود إلى الفترة الأولى:

“أو تقدرين، يا أماه على أن تتحملي، كما في المنزل، سابقاً
القافية الخفيضة، الألمانية، الموجعة؟”.

بعد انتصار الجيش السوفيتي على الألمان، أطلق سراحه، فعاد إلى جيزنوفيتش التي احتلها السوفيت في نيسان 1944، وهي مدينته التي كان يسميها في إحدى قصائده “بلد ينابيع”. غير إن الينابيع هذه دُمِرت، والكلمة التي كانت في البدء، تمرغت في وحل جريمةٍ لم تبق للشاعر والقارئ من مهمة سوى “أن يغسلا جثة هذه الكلمة، إن يمشطا شعرها، أن يديرا عينها صوب السماء”.
حمل دفتر أشعاره وشد الرحال إلى بوخارست ليعمل مترجماً في دار نشر ويشارك في نشاطات السورياليين الرومانيين. كان يتقن الروسية والرومانية والألمانية والفرنسية معاً. أخذ ينشر بعض قصائده تحت اسم تسيلان CELAN الذي سيتبناه من الآن فصاعداً، وهو ترتيب جديد لحروف أسمه الحقيقي الذي كان يكتب بالرومانية على الشكل التالي: ANCEL . معظم كتابات الفترة الرومانية هذه، كانت واقعة تحت تأثير ريلكه وتراكل والسوريالية، شاعرية كانت لا تزال تبحث عن أسها المرتبط بتاريخ الكينونة وكينونة تاريخ لا يزال يشرب الدم حتى الثمالة. فها هو، بعد مضي سنتين ونصف تقريباً على بقائه في بوخارست، يبتعد عن كل ما يذكره برومانيا، صوب قلب الكلمة: اللغة الألمانية. يرحل إلى فيينا سنة 1947 فيلتقي بالرسام ادغار يينه ويشتركان مع ماكس هولزر في نشر السوريالية داخل الثقافة الألمانية، فقد ترجم نصوص وقصائد بروتون، بنجاما بيريه، جورج حنين، ايميه سيزار، إلخ، وكانت لب العدد الأول من “النشرة السوريالية” الذي صدر في بدء عام 1950.
أصدر مجموعة شعرية لكنه سرعان ما سحبها من السوق ودمرها، لأنها كانت تعج بالأخطاء المطبعية. يترك فيينا في تموز 1948 ليستقر نهائياً في باريس حيث تزوج، عام 1952، من الفنانة الفرنسية جيزيل ليترانج، التي أنجبت له طفلاً توفي في سنته الأولى، وآخر سمياه ايريك وهو اليوم لاعب سيرك يعيش في باريس ألتقي به من حين إلى آخر. وقد كتب تسيلان قصائد عديدة تترسم وحي أعمالها الفنية.  وما أكمل دروسه الأدبية، حتى اشتغل محاضراً للألمانية في “الأيكول نورمال سوبيرير” الواقعة في شارع أولم، وفيها اليوم المكتب المخصص لكل أعماله ويشرف عليه الصديق برتراند باديو الذي ترك كل اهتمامته الأدبية مكرسا حياته نهائيا لمشاغل الاشراف على أعمال باول تسيلان والدراسات المتعلقة به. وقد قال لي ذات مرة: “منذ أن أسندَت إلي هذه المهمة، شعرت أن امكانياتي الأدبية كلها انتهت إلى أن تكون جزءا من هذه المهمة”!

وطد باول تسيلان في باريس صداقات متينة مع شار، بونفرا، ميشو، جاك دوبان واندريه دو بوشيه وترجم الكثير من أعمالهم إلى الألمانية. ولئن كان تسيلان يحقق شهرة في ألمانيا كأكبر ظاهرة شعرية بعد الحرب، فإنه في فرنسا بقي شبه مجهول ابان حياته، ولم تهتم به سوى مجموعة مجلة L’ EPHEMERE (الزائل) التي كان يديرها جان ديف واندريه دو بوشيه في الستينات، حد أن العدد الأول من هذه المجلة افتتح: بنص “الهاجرة”، الكلمة التي ألقاها عند تسلمه جائزة بوخنر في الثاني والعشرين من تشرين الأول(أوكتوبر)1960. ويجب التنويه إلى أن تسيلان كان قد فاز سنة 1958، بجائزة بريمن، وألقي كلمة بهذه المناسبة. وهاتان الكلمتان تضيئان بعض الشيء من مشروعه الشعري. أقول بعض الشيء لأن باول تسيلان كان يكره التنظير، تحديد الشعر في تعريف أو موقف، فضلاً عن أن التنظير غالباً ما يعبر عن عقم شعري لا شفاء منه.

  صورة 2: باول تسيلان

هناك ترجمة انجليزية لمجموعة أعماله النثرية في جزء واحد جد صغير، إذ أن كل أعمال تسيلان النثرية لا تتعدى الستين صفحة، فهي تتكون من هاتين الكلمتين المذكورتين اعلاه، وثلاث أجوبة قصيرة على استفتاءات، ونصين نثريين، وتوطئتين جد قصيرتين عن ترجمته لماندلشتام وسيرج ايزنين، وكلمته التي ألقاها في اتحاد كتاب إسرائيل، ورسالة صغيرة إلى هانزبندر الذي وجه دعوة إلى تسيلان لكي يشترك في انطولوجيا كان يعدها تحت عنوان: “قصيدتي سكينتي” (صدرت سنة 1961)، وأخيراً “ضوء خلفي”، شذرات سوريالية مثل:”ادفن زهرة وضع على قبرها إنساناً” و “ها هو ذا الربيع: الأشجار تطير إلى طيورها”، و “كل حديث عن العدالة سيبقي لغواً، ما لم تتحطم أقوى البوارج على جبهة إنسان غريق”.. إلخ.
ذاك أن العمل الشعري، في نظر باول تسيلان، أشبه بالعمل اليدوي، إذ ما إن تنجز القصيدة، حتى يستغني عن الشاعر:”العمل اليدوي، كعمل نزيه ونظيف، هو شرط أولي لكل شعر.. والعمل اليدوي هو من شأن الأيدي. والأيدي هذه، من الناحية الأخرى، يمتلكها شخص واحد، أي نفس فريدة وفانية تبحث، بصوتها وبُـكمها، عن طريق. فقط الأيدي الحقيقية تكتب قصائد حقيقية. مبدئياً لا أرى أي فرق بين مصافحة وقصيدة.. القصائد هي أيضاً هدايا – هدايا إلى المنتبهين. هدايا تحمل مصائر
“( BRIEF AN HANS BENDER ).

صدرت لباول تسيلان إبان حياته ست مجموعات شعرية “خشخاش وذاكرة” MOHN UND GED?CHTNIS ( 1952)، “من عتبة إلى عتبة” VON SCHWELLE ZU SCHWELLE ( 1955)، “شبكية اللغة” SPRACHGITTER (1959)، “الـ وردة اللا أحد ” DIE NIEMANDSROSE (1963)، “انقلاب النفس” ATEMWENDE ( 1967)، “شموس خيطيـ “يه” FADENSONNEN (1968)، وثلاث مجموعات بعد موته “جبروت النور” LICHTZWANG (1970، “حصة الثلج” SCHNEEPART (1971)، “وعزبة الوقت” ZEITGEHOFT (1976).

تسيلان بريشة الفنان والشاعر اللبناني غازي يونس

كشف تسيلان منذ الأربعينات عن موهبة فذة في ميدان الترجمة، فكانت له ترجمات محط دراسات اليوم، لبعض سوناتات شكسبير، قصائد جون دن، روبرت فروست، سيرج ايزنين، فيرناندو بيسوا، أونغاريتي، ماريان مور، اميلي ديكنسون، رينيه شار بيكاسو، ومن العبرية دافيد روكاح، بل حتى قام بترجمة دراسات حول السينما، الأدب والرواية، وروايتين لجورج سيمنون. كما يعتبر باول تسيلان أول من قدم ماندلشتام إلى القارئ الألماني، وهذا الالتقاء الشعري بينهما جد طبيعي، إذ أن لغة ماندلشتام الروسية عانت مثلما عانت الألمانية من البربرية النازية، من بربرية أخرى هي الستالينية. وكلاهما أعطيا أهمية كبرى للكلمة بوصفها الأصل والفصل. وقد أهدى باول تسيلان مجموعته الشعرية المهمة “ورد اللا أحد” إلى أوسيب ماندلشتام، تحية إلى ذكراه.
زار إسرائيل في أكتوبر 1969، وألقي كلمة في اتحاد الكتاب الإسرائليين ثم قرأ عددا من قصائده. والزيارة هذه، القصيرة جداً، ” كان في حاجة إليها” كما ذكر في كلمته التي كشف فيها أيضاً عن تردد لديه، إذ قال “آمل أن لا أكون على خطأ”! ويقال أنه عاد إلى باريس متضارب المشاعر بين البهجة والتشاؤم التام. على أنه، بعد مضي ستة أشهر على زيارته هذه انتحر غرقاً في نهر السين (21 نيسان 1970).
لم يكتب باول تسيلان شعره إلا بالألمانية: لغة الذين عملوا على إبادة جنسه. وحتى لا تعتبر ألمانيته مثل ألمانية القتلة، لجأ إلى انجاز لغة جديدة، مبتكرة ونقدية ذات تراكيب ونحوتات حيث الصورة الشعرية في صلب الكلمة الواحدة. ولعل قارئاً يسأل: لماذا باول تسيلان، الذي لم يقم في ألمانيا فترة تستحق الذكر، لم يكتب باللغة الفرنسية، مثلاً، وهو المتمكن منها تمكنه من الألمانية، وترجماته لميشو، شار، بيكاسو لهي دليل على ذلك؟
بعض الجواب هو أن باول تسيلان قد قصد من جهة أولى، تقليب التركيبة الألمانية وتفكيكها مستفسراً هذه اللغة محاكمة، عله يفهم لم انطوى ماضيها على مصير بربري كآوشفيتز، ومن جهة ثانية، جعل هذا الصراع مع الألمانية مرآة ينعكس على صفحاتها السوداء تحنن تسيلان نفسه إلى ماضيه، وهذا لا يتم إلا بمصافحة يد هذه اللغة مصافحة اغتفارية تحث روحها الطارق إلى استحضار موتى أوشفيتز وخاصة أمه التي كانت معجبة بالتراث الألماني حد إلزام جميع أفراد العائلة بأن يتكلموا ألمانية سليمة.
لكن المتبادر من أمر هذه السيرورة الشعرية التي تشبه نصلاً ذا حدين، هو أن تسيلان شعر بعد أوشفيتز، بأنه قد خسر كل شيء ولم يبق لديه من اللسان الألماني، ميراث أمه، إلا اللغة. “نعم، اللغة، فإنها بالرغم من كل الذي حدث، بقيت صامدة أمام كل خسران، لكنه كان عليها أن تشق طريقها عبر افتقارها للأجوبة، عبر صمت رهيب وسط آلاف الظلمات من الجمل الميتة. لم تقل ما حدث، ومع هذا فإنها اجتازت الطريق. عبرت، فتمكنت من البروز ثانية وقد أثريت بكل هذا”.
بواسطة هذه اللغة حيث الشعر ليس إلا “فرصتها المحتمة”، استطاع باول تسيلان أن يجمع نفسه ويوجهها، مسترسماً واقعه، “فالواقع ليس مجرد موجود، وإنما يجب أن يبحث عنه أيضاً وأن يظفر به”.

حول الترجمة

ثمة لغات تتمتع بقدرة نقل الإلتباس المتعمد في قصيدة ما، دون شرح. مثال بسيط: إن كلمة GESCHLECHT المذكورة في قصيدة “كورونا” (البيت الأول المقطع الثالث، لا الإنجليزية ولا الفرنسية قادرتان على نقل تعدد معانيها المطلوب بكلمة واحدة، كما في الكلمة العربية:”جنس”. كما أن كلمة DER SINN المذكورة في قصيدة ” تكلم أنت أيضاً” (البيت الثاني المقطع الثاني) تعني: معني ووجهة في آن، وكلمة: “القصد” تؤدي المعنيين.
مهما يكن من الأمر، فإني حاولت أن تكون ترجمتي لهذه القصائد جد قريبة من الأصل مبني ومعنى. ولتحقيق هذا الأمل، انطلقت أولاً من الترجمات الإنجليزية والفرنسية لنفس القصيدة، مما اضطرني هذا إلى الاستعانة بالسيدة يوهانا، فأخذنا نقارن جملة جملة على النص الألماني، وها أن أخطاء المترجمين تتجلى فضيحة، للمثال لا للحصر: جون جاكسون الذي ترجم “خطاب بريمن” فارتكب خطأ فادحاً، إذ ترجم: LANDSCHAFT بمنظر وهي كذلك، بينما المراد منها في سياق هذا “الخطاب”:”المقاطعة أو الإقليم”: DIE LANDSCHAFT AUS DER ICH ZU IHNEN KOMME “المقاطعة التي جئت منها إليكم”، وليس”المنظر الذي أتيت منه إليكم”. وخطأ مايكل هامبرغر بترجمة IN DER DUNUNG التي تعني في قصيدة “تكلم أنت أيضاً”: تلاطم أمواج أو أهوال (البحار) بـ DUNE كثبان رملية. على إن هامبرغر على حق عندما حذرنا من الترجمة الحرفية أحياناً. فمثلاً أن مفردة FACKEL في قصيدة DIE POSAUNENSTELLE يجب ألا تترجم “شعلة” وهي كذلك، وإنما “مصباح”، لأن ثمة تلميحاً إلى ما جاء في الفصل الثامن من سفر الرؤيا: “فهوى من السماء كوكب عظيم متقد المصباح”. لكن مارتن لوثر استخدم “الشعلة” عوض “مصباح”، في ترجمته للكتاب المقدس، وهي المعتمدة في ألمانيا. كما أن ” NACHT الليل”، غالباً ما يعني لدي تسيلان الظلمة، أو الدجى، كما في قصيدة “رفيق السفر”.
ويجدر التنبيه هنا أن باول تسيلان نفسه لم يشعر بحرج من استعمال القاموس من أجل مفردة نادرة، كما يقول الفيلسوف هانز غودمار، رغم أنه كان يمتلك معرفة تقنية جد عالية في عدة ميادين. لقد شعر باول تسيلان بأننا نعيش في “حقبة غير شعرية” (كما سماها في إحدى رسائله الأخيرة) حيث اللغة الحديثة فقدت دقتها. وها أن معظم شعره يكاد يتجلى محاولة صمود بوجه “هذه الحقبة التي لم تعد قادرة على أن تكون شعرية، وترينا أن نضمّن فيما نكتب هذه المعرفة” اللاشعرية المتجسدة كلاماً سائداً ذا ألفاظ مبتذلة من كثرة الاستعمال وخاصة الاستعمال الرديء. والصمود هذا كان غالباً ما يتجلى باسترداد أوابد لغوية ضاعت أو بقيت مندثرة في هذا المعجم أو ذاك، بينما تؤدي المعنى الدقيق والملموس، فيعيدها في تراكيب تفصح فيها هذه الألفاظ عن دفق شعري مشحون غالباً ما تفتقر إليه لغة الشعر الرائج. فضلاً عن أنه لم يخف من التصريح، أمام أصدقائه، بأنه كان يكفي لهؤلاء الشراح الذين “يسيئون فهم شعري، بفتح القاموس للتأكد من المعنى المراد”. كما أن تسيلان نفسه عرف شعره “نوعاً من ابتكار الكلمة واعادة اكتشافها”. وقد أكد عدد من الأصدقاء الحميمين للشاعر، ككلاوس ديموس، بأن مكتبة تسيلان كانت مليئة بقواميس تهتم بعلوم الأرض والمعادن والطبيعة، وخاصة التي تبحث بجذر الكلمات، شأنه شأن اودن، وفرانسيس بونج، يذكر ديموس بأن باول تسيلان كان جد معجب، مثلاً بـ MEERMUHLE وكان يريد الرسمة لهذه الكلمة في كتاب “تاريخ أصل الأرض”. ولو وقعنا على كلمة مثل هذه في إحدى قصائده، لظننا، بعد بحث دون جدوى في قاموس اللغة الكبير، بأنها من نحته: “طاحونة بحرية”، ولم لا، ونحن نعرف أن تسيلان هو سيد النحت في الألمانية المعاصرة، وهكذا يحجب هذا الظن السريع، المعني الدقيق المراد. بينما كلمة MEERMUHLE هي مصطلح يطلق على ظاهرة جيولوجية تتم في الحفر البالوعية الواقعة قرب البحر، فعندما تتصاعد قوة اندفاع المياه، يولد ارتطام الموج بالشاطئ خروماً في صخور الساحل. وفي قصيدة “ظلمات” أيضا ثمة كلمات التضاريسية:Mulde نطاق مستطيل أرضي من الضغط البارومترى المنخفض. و Maar تعني بحيرة صغيرة بركانية، حفرة يتجمع فيها ماء المطر. ولنقل تشابه الحرفين الأولين “ميم” بالألمانية، فضلت أن أجد مقابلا يضم حرفين أولين متشابهين، فترجمتها على التحو التالي: الغور والغدير. وفي المنجد تعريف الغدير هو: “قطعة من الماء يتركها السيل”.
 وأحيانا يستعمل كلمات لها دلالات استعمالية يومية. فمثلا ” Krug تعني جرة لكن تستعمل مجازا في الحياة اليومية “بار، حانة او مشرب”. وهكذا تكون ترجمة البيت التالي: Es wird einer die bratsche spielen, tagabw?rts, im Krug “شخص ما سيعزف على الكمان، منحدرَ النهار، في الحانة”. أما الذي لا يعرف الألمانية أو على الأقل الذي لم يعش فعلا في المانيا فسيترجم Krug بجرة، والبيت “واحد سيلعب الكمان، خلال النهار في الجرة”!!!
إذاً للتغلب على الصعوبة فى ترجمة شعره، على المترجم أن يدأب أولاً في البحث عن المعنى بين ثنايا معاجم جد متخصصة في علم طبقات الأرض وتضاريسها، علوم الطبيعة، الفلك إلخ. وثانياً، أن يتبع نصيحة تسيلان نفسه بأنه علينا أن نقرأ ونعيد القراءة ثانية وثالثة وبحميمية خالصة، فإذا المعنى المراد واضح دون أي لبس. فضلاً عن أن تسيلان قلما يستعمل أوزاناً أو قافية، مما يخفف من عبء الصعوبة.

بقيت نقطة أخيرة وهي: اني أتابع، منذ سنوات طوال، معظم ما نشر وينشر بالإنجليزية والفرنسية، وما يترجم من الألمانية إلى هاتين اللغتين، من أبحاث قيمية تتناول شعر تسيلان بتحليل نقدي. أبحاث عبّدت أمامي كل الطرق الوعرة، ذلك لأنها تروم في أقصى معاني شعره مبينة سياقاته التراثية المرجع، والمعطيات الأساسية اللازمة لتذوقه – لتبنيه سلاحاً بوجه ذائقة الشعر المعتادة، الميتة والمميتة. ولا أنسى تلك الأحاديث مع الراحلة جيزيل ليترانج، زوجة باول تسيلان، التي كان لها الدور المشجع والمضيء، إذ كثيراً ما كانت تتفق مع تحليلي بأن شعر تسيلان ينطوي على فكاهة سوداء تتشظي قنبلة داخل اللاهوت، رغم أنف كل هؤلاء الشراح الذين يسلطون رؤوسهم، عبثاً، حتى يعود حاخاماً أبلهاً في جبة صوف. فقد وضح سيلان نفسه، في مقابلة أجراها معه في أواخر حياته الناقد هوبرت هيغو، بأن ما يسمي “تجريداته وغموض شعره لهو جزء من الواقع الحقيقي، ومحمل بالمعني، بعيداً عن أي هم ترانسدنتالي”.

مع هذه المقدمة سانشر ست قصائد… ولنبدأ بقصيدة قصيرة من “تقلّبات النفس”، كنموذج للطريقة التي اتبعتها في ترجمة قصائده. ولاحاجة أكرر اني اعتمدت في كل اضاء كتبتها على ما قرأت من مقالات وكتب وتحاليل متعلقة بأشعار تسيلان وسيرته. (المقدمة والتراجم سبق أن ظهرت اولا في طبعة (صورة 1) عام 1988 وفي طبعة ثانية (صورة 4) منقحة عام 1994

باريس شباط 1988 – شباط 1995

ذات مرة
EINMAL

Einmal,

Da h?rte ich ihn,

Da wusch er die Welt,

Ungesehn, nachtlang,

Wirklich.

 

Eins und Unendlich,

Vernichtet,

Ichten.

 

Licht war. Rettung.

ذات مرة، حيث سمعته
حيث كان يغسل العالم
غيرَ مرئي طوال الليل
واقعيّ.

واحدٌ وغير متناهٍ
فـُنِـيـَ
ني.

فكان النور. خلاص.

إضاءة:
[ ICHTEN كلمة من نحت الشاعر، وهي ثرية بالتساؤلات والمعاني مما يستحيل معها نقلها إلى أية لغة كانت: أهي تكرار صوتي للنصف الأخير من كلمةVERNICHTET (فـُنِـي) وباستبدال الحرف الأخير T بحرف n تحولت إلى ICH (أنا) مصرّفة في زمن ماضي ICHTEN (ني)؟ أم تقصد هذه التركيبة نفي النور NICHT / NICHT (برهان ما فني VERNICHTET ) وعندها يفهم من كلمة خلاص انقاذ من النور وليس دعوة إليه] تبقى كلمة ICHTEN ماضي  ichene زتعني فقا لمعجم الأخوة غريم تعني التأكيد على الذات حد الأنانية.

 

TODESFUGE

حليب الفجر الأسود نشربُه في المساء
نشربه ظهراً أو صباحاً نشربه في الليل
نشربُ ونشربْ
نحفر قبراً في الجو حيث يتمدد المرءُ   
(الحفر هنا يتم بالمجراف Schaufeln )
من غيرِ ضيقٍ
رجلٌ يسكنُ في البيت يلعبُ والثعابين يكتبُ
يكتبُ ما إن يحل الغسق إلى ألمانيا شعرك الذهبي مارغريت
يكتبه ويظهرُ أمام البيت والنجومُ تومض
ويصفـّر لكلابه أن تأتي
يصفر ليهوده أن يطلعوا وانْ يُحفرَ قبرٌ في الأرض
يأمرنا اعزفوا ليتمّ الرقصُ
حليب الفجر الأسود نشربُـك في المساء
نشربـُك صباحاً وظهراً نشربـُك في الليل
نشربُ ونشربْ
رجلٌ يسكنُ في البيت يلعبُ والثعابين يكتبُ
يكتبُ عندما يحل الغسق إلى ألمانيا شعرك الذهبي مارغريت
شعرك المُرمَـد شولميث إنا نحفرُ قبراً في الجو
يتمدّد المرءُ فيه من غيرِ ضيقٍ
ينادي أوغلوا المجرافَ عميقاً في الأرض
وأنتم رنـّموا واعزفوا
يستلّ الحديدة من حزامِه فيشهرها، عيونُه زرقاء
أنتم أوغلوا مجاريفكم عميقاً، وأنتم تابعوا العزفَ
ليتمّ الرقصُ

حليب الفجر الأسود إنا نشربُـك في الليل
نشربـُك في الظهيرة وفي الصباح نشربـُك في المساء
نشربُ ونشربْ
رجلٌ يسكنُ في البيت شعرك الذهبي مارغريت
شعرك المُرمـَد شولميث، إنه يلعبُ والثعابين
ينادي اعزفوا لحن الموت بعذوبة أشد
الموتُ معلـّمٌ من ألمانيا
ينادي داعبوا الأوتار بكآبةٍ أكثر عندها ستصاعدون
كدخان في الجو
عندها يكون لكم في السحب قبرٌ يتمدد المرءُ فيه
من غيرِ ضيقٍ
حليب الفجر الأسود إنا نشربك في الليل
نشربُـكَ في الظهيرة الموتُ معلـّـمٌ من ألمانيا
نشربُـكَ في المساء وفي الصباحِ نشربُ ونشربْ
الموت معلم من ألمانيا لعينه زرقةْ
*
يصيب برصاصة يُصيب بدقة
رجلٌ يسكن في البيت شعرك الذهبي مارغريت
يحرّش كلابَه علينا ويهبنا قبراً في الجو
يلاعب الثعابين ويحلمُ الموتُ معلـّـمٌ من ألمانيا

شعرك الذهبي مارغريت
شعرك المُرمـَد شولميث

* الترجمة الحرفية: “عينُه زرقاء”. غير انني غيرتها لأجل إبراز القافية الوحيدة الموجودة في كل القصيدة، كما لاحظ جان بيير لوفيفر، بين blau “زرقاء” و genau “دقـّة”.

إضاءة:

تركت هنا عنوان هذه القصيدة بلا مقابل عربي. فهو مركب من كلمة “موت” و Fuge التي يترجمها العرب بكلمة “تسلسل”.. وهو مصطلح موسيقي يطلق على نغم يتكرر مع بعض التغييرات.. والمراد من العنوان: “لحن الموت المتغيّرُ العود”، واقرب مقارب في نظري هو “تقاسيم الموت”. أول نشر لهذه القصيدة كان في ترجمة رومانية قام بها صديقه بيتر سولومون وكانت تحمل العنوان التالي Todestango “تانغو الموت”. غير ان باول تسيلان الذي نشرها عام 1945 بالألمانية حذف كلمة “تانغو” ووضع Fuge وهكذا فك القصيدة من أسر شعرية البداهة الواقعية المرتكزة على الشهادات والوثائق، واطلاقها في فضاء الشعرية الأعمق المرتكزة على كونيةٍ ومدى لغوي أرحب. كتاب جيري غليم كان مفتاحا لي لفك شفرة العديد من الكلمات… أول نشر لترجمتي هذه تمت عام 1983 في عدد “مهماز النقطة”، في نقد وجهته ضد ترجمة عبد الغفار مكاوي السيئة لأربع قصائد لتسيلان في كتابه “ثورة الشعر الحديث” (صفحة 310- 313) لقصائد تسيلان القصائد الأربع لتسيلان.. حيث أسقط الأسطر الخاصة باليهود كما انه حذف اشارة تسيلان الى محرقة اليهود على يد النازيين: “شعرك المترمّـد شولميت، التي صارت على عبدالغفار: “شعرك المترب شولميت”… علاة على انه لم يعر أية أهمية لوظيفة الكلمات بالأخص عند تسيلان/ “رمل ناعم” مثلا، صار: “رمل لطيف”!
في مطلع 1970، تم نشر قصيدة بعنوان ER “هو” لشاعر ألماني مجهول اسمه ايمانويل فايسغلاس.. مكتوبة عام 1945 وتكاد تكون نسخة طبق الأصل من قصيدة باول تسيلان. ففيها نفس تكرار العبارات كـ”حليب الصباح الأسود” وغيرها. لكن، كما اوضح عدد من النقاد أن معظم معتقلي المعسكرات النازية كانوا يرددون عبارات من هذا النوع، كما ان قصيدة فايسغلاس تختلف جوهريا عن قصيدة تسيلان، خصوصا في بنيتها الشعرية، فقصيدة فايسغلاس تراكيبها جد تقليدية ومحافظة، بينما قصيدة تسيلان متمردة التركيب وحديثة البناء. و فايسغلاس نفسه أكد انهما كتبا قصيدتهما في نفس الوقت.. ورفض ان يتهم تسيلان بالانتحال.

تكلم أنت أيضاً
SPRICH AUCH DU

تكلم أنت أيضاً
تكلم كآخر من يتكلم
قل قولك.

تكلم
بيد ألا تفصل لا عن نعم
أنل كذلك كلمتك القصد:
أنلها الظلال

أنلها كفايتها من الظلال
أنلها قدر
علمك بما وُزّع مدارَك بين
منتصف الليل والظهيرة وناصفة الليل.

تطلع مدارَك:
انظر كيف يغدو مدارَك حياً
حيث الموت! حيّ!
يُـفصحُ الحقيقة، من يفصح ظلالاً.

على أن المكان، حيث تقف، ذا هو يتقلص:
أين الآن، يا أيها المجرد من الظلال، إلى أين؟
طريقٌ صاعدٌ. تلـمّس صُـعُـداً.
إنك ناحلٌ، متضائلُ السِّـمة، راهفْ!
جدّ رهيف: خيطـٌ
به تريد أن تتدلى، النجمة ُ:
أن تسفل حتى تعومَ في القعر، تحتاً
حيث ترى نفسها تـَـلـْمع: في تلاطم
الكلمات الرُحّـل.

***

ظلمات
TENEBRAE
قريبون
(جدا) منك، نحن يا ربّ،
قريبون، ويمكن امساكنا.

قد أُمسكنا، يا رب
متشبّثة أظافرنا، بعضنا ببعض، وكأنّما
جسد كلّ منّا
جسدك يا ربّ

صل، يا ربّ
صلّ إلينا
نحن قريبون.

مائلين بفعل الريح كنا نذهب
كنا نذهب لننحنيَ
على الغـَور والغدير.

إلى الحوض كـنـّا نذهب، يا ربّ.

كان دماً، كان،
ما أهرقته، يا ربّ

كان يلمع.

ألقى صورتـَك في عيوننا، يا ربّ.
العينان والفم كم هي مفتوحة وفارغة، يا ربّ.

شربنا، يا رب.
الدمَ والصورة التي كانت في الدم.

صلّ، يا رب
نحن قريبون.

إضاءة:

 كتبت هذه القصيدة المقطعة من أبيات جد موجزة يكاد يتكرر في كل بيت “أيها الرب”، على غرار الابتهالات الدينية. لكنه ابتهال سلبي يحمّل مسؤولية ذبح اليهود في أوشفيتز، لذا عليه أن يصلي هو لهم، فالرب هذا قد انتهك وصيتين من وصاياه، سفك الدم وجعل شعبه أن يشرب الدم. والوصيتان هاتان مذكورتان في سفر الاحبار: من سفك دماً: يفصل ذلك الرجل من وسط شعبه”، وفي نفس السفر هذا يحرم الرب شرب الدم:” لا يأكل أحد منكم دماً”. وعبارة سفك الدم في العهد القديم جاءت بنفس الصياغة في قصيدة باول تسيلان.
وتكاد تكون هذه القصيدة، كما بين غوتز فينولد، دحضاً لما جاء في قصيدة هولدرلين: PATMOS التي يستهلها بالبيت التالي:” قريب /ولا يمسك، الرب / وحيث الخطر / ثمة الخلاص أيضاً”.
“يعض (ينشب) بعضنا البعض” إشارة إلى تكدس الجثث في العربات.
TENEBRAE مصطلح لاتيني يراد منه الظلمات التي حلت لمدة ثلاث ساعات بعد صلب المسيح. وقد ذكر تسيلان انه كتبها في الشارع ودفعة واحدة، واعتبرها من أفضل قصائده. لكن سدولها لا يزال مرخياً. إلى يوم القيامة، في نظر باول تسيلان. ويتذكر الناقد الهيغلي بوتغلر أنه نصح باول تسيلان ان يحذف البيت الاستفزازي ” صلّ إلينا” من القصيدة لأنها كفر واضح وعكس للآية، فالله هو الذي يجب أن يصلّي إليه العبد ويستغفره، وقد تثير ردود فعل سلبية ضده. وافق تسيلان على حذفها، معتبرا ان هذا البيت “مجرد تلميح فارغ”. لكن عندما نشرها في الديوان أعاد البيت.
عندما قرأ الناقد اللبناني الصديق خير الله أسعد ترجمتي لأشعار باول تسيلان الصادرة في كتاب، بعث الي برسالة ذكر فيها اعجابه “بترجمتي في قربها الشعري من الأصل رغم عدم معرفتك بالألمانية”. واقترح بعض التعديلات لثلاث قصائد: “مزمور”، “كان فيهم تراب..” وهذه القصيدة. فاقترح أن أستعمل مقابل Herr “سيّد لأنها أكثر توراتية وانجيلية”، بينما “رب” إسلامية محضة. عنده حق غير أني وجدت كلمة “سيد” مبتذلة الاستعمال عند العرب، واستخدامها في هذه القصيدة سيدمر الطابع الالحادي الأساسي في القصيدة. غير اني وافقت على استخدام “جسد” كمقابل لـ Leib بدل “لحم”، لما لـ”جسد من تراث ديني وما تحمله من ايحاءات.. جسد المسيح… خلود الجسد، الخ”.

 

كان فيهم تراب وكانوا يحفرون
ES WAR ERDE IN IHNEN UND SIE GRUBEN

يحفرون ويحفرون، وهكذا انقضى
نهارهم وليلهم. ولم يحمدوا الله
الذي، هكذا سمعوا، كان يشاء هذا كله
الذي، هكذا سمعوا، كان يعرف هذا كله.

كانوا يحفرون، ولم (يعودوا) يسمعون أيّ شيء
لم يصبحوا حكماء، لم ييتدعوا أنشودة
لم يستنبطوا لهم أيّة لغة
كانوا يحفرون.

وكان سكونٌ، وكانت أيضاً عاصفة،
وجاءت البحار جميعها
أنا أحفر، أنت تحفر، والدودة أيضاً تحفر
والأغنية هناك تقول: إنهم يحفرون.

يا أحد، يا ما أحد، يا لاأحد، يا أنت
اين مضى، مادام لم يمض إلى أيّ مكان؟
يا أنت تحفر، وأنا أحفر، وأنا أحفر ذاتي نحوكَ
وعلى الأصبع ينبئ الخاتم عنا
*

* وحرفياً: وعلى الأصبع يستيقظ لنا الخاتم.

***

مزمور
PSALM

لا أحد يجبلنا ثانية من التراب والطين
لا أحد يعوّذ ثرانا
لا أحد.

الحمد لك، يا لاأحد
من أجلك نريد
أن نزهر
نحوك.

لا شيءَ
كنا، مازلنا، وسوف
نبقى، مزهرين:
وردة اللاشيء،
وردة اللاأحد.

بقلم التويج الواضح وضوح النفس
والسداة القاحلة كالسماء
والاكليل الأحمر
بسبب كلمة ألارجوان التي كنّا نغنّيها
فوق، آه فوق
الشوك.

***

تودنوبيرغ
TODTNAUBERG
 
أرنيكا، بلسم العين، الشربة
من البئر التي
يعلوها نرد نجمي.

في
الكوخ.

السطر الذي في الكتاب
– أسماء من قد سُجِـّـلـَت
قبل أسمي؟ –
الذي في هذا الكتاب
دون عن
أمل اليوم،
من مفكر
كلمةٌ
آتية
 إلى القلب.

دبـَل الغاب، غير سوي
سَـحـْـلـَب فسحلب، فـَرادى
فظاظةٌ، فيما بعد، خلال التنقل
بيـّنـة،
الذي يسوقنا، الرجل
المتـنصت.

ممراتٌ من عصي
نصف مسلوكة

رطوبة،
جمّة.

إضاءة:
تودنوبيرك (الغابة السوداء) مقام مارتن هايدغر الذي زاره باول تسيلان (1967)، فكانت هذه القصيدة تعبيراً عن انطباعاته وخيبة أمله في هذا الفيلسوف الذي لم ينطق الكلمة التي تعطيه حق الكلام عن الشعر فتغفر له فعله انهماكه في الحكم النازي ( 1933 – 1934). والجدير بالذكر أن تسيلان قد رفض أن يصور مع هيدغر خلال هذا اللقاء الوحيد. ويقال أن هيدغر دهش من معرفة باول تسيلان الخارقة لأسماء الحيوانات والنباتات والأزهار، أكثر منه بكثير.
أرنيكا (زهرة عطاس) نبات عشبي معمر من فصيلة المركبات الشعاعية. يقال أنه من النباتات الطبية العديدة المنافع للأمراض المبهمة. أما بلسم العين فهو نبات عشبي بري حولي شبه طفيلي لأنه يركب بجذوره جذور النباتات الأخرى. وأوراقه وأزهاره تنفع الرمد وجميع التهابات العين.
سحلب كلمة مولدة، ويعتقد المعجمي دوزي بأنها تصحيف لما كان يسمى في العربية خصي الثعلب. جنس أعشاب معمرة، بعض أنواعه الشاي الذي نشربه، فيه برية وأخرى تزرع للتزين سموها اليوم الأركيد.

يتبع

 

صورة 4: غلاف الطبعة الثانية من ترجماتي صدرت عام 1994 ومنها أخذت المقدمة المنشورة هنا والترجمات

بيانات وزنية من أجل قصيدة النثر

 

عبدالقادر الجنابي


ألمْ تدْرِ أنّ القطيعة َ حانتْ قُبَيـْل الشّروقِ؟ وأنّ الفضاءَ يُريد ضياءً جديدًا، غِنائيّة ً حُرّةً غيرَ خاضعةٍ لرياح ٍ مُقنّنةِ الهبّ… فضاءٌ يريدُ تجاورَ سطرٍ وسطرٍ يرنـّنُ وقعَ الفضاءِ، وضجَّ المدائن ِ، أشباحَ فاتحة للعيون ِ. كفى أن نغيِّرَ سيرورةَ الفكرِ طبق تفاعيلَ محدودةٍ.

البيان الأول

البيان الثاني

تذييل للبيان الثاني

ثالث البيانات الموزونة: عُمران المعنى

البيان الرابع والأخير

الذكرى الـ50 لتأسيس شعر اللبنانية

 

عبدالقادر الجنابي


على عكس جل المجلات الأدبية التي سبقتها (مجلات نادت بتجديد للشعر وفق بوصلة التحولات السياسية أو الجمالية المنعزلة)، تميزت مجلة “شعر” بقدرتها على إدخال مفهوم التساؤل في صلب العملية الشعرية التي يختبرها الشاعر الحديث.  فإذا كانت مجلة “ابوللو” تنادي بالتجديد، فإن ما كان يدور في خلدها هو الاستمرارية التراثية بتنويعات إيقاعية مستحدثة من صلب المعطيات الوزنية المتوفرة، ومجلة “الآداب” لم يكن لها هدف سوى جعل حركة “الشعر الحر” (شعر التفعيلة) وانتصاراتها الشكلية وبالتالي كل شظايا

خميس “شعر” الأسبوعي

المحاولات التجديدية التي كانت تلتمع هنا وهناك، تعبيرا شعريا للغليان السياسي الذي كانت تعيشه المنطقة، وللرغبة في الاستقلال الوطني، فإن مجلة “شعر” تعتبر أول مجلة ادخلت مفهوم “الحداثة” بنبذها الرومانسية التي كان الشعر العربي بكل تياراته غارقا في مياهها… وبالتالي أعادت الاعتبار إلى الشعر كموقف من العالم مستقل بذاته، واضعة العملية الشعرية بوجه ما كانت تريد مجلة “الآداب” تعميمه: تسييس الشعر.
وما الحرب الباردة التي كانت سائدة سوى عامل مساعد على تغذية هذا الشعور السياسي الهدف أولا والشعري التعبير ثانيا. والحرب هذه كانت تغذي نزعات التجديد الشعري بمقاربات متعارضة إزاء الفعل الشعري.. حد أنها (الحرب الباردة) ولّدت، بل قوقَعَت، تيارا رجعيا (مجلة “الشعر” المصرية) أخذ يعتبر عدوا للقيم الشعرية المتوارثة وبالتالي تهديدا للوجود العربي نفسه، كلَّ ما كان يتنامي في تلك الظروف من محاولات شعرية يسمى “شعرا حرا”. بل اعتبر هذا التيار أعداءً حتى الذين هم في قرارة أنفسهم أكثر محافظة من أقطاب هذا التيار على التراث والوجود العربي كنازك الملائكة وعبد المعطي حجازي.
لو راجعنا نشريات تلك السنوات من مجاميع شعرية أو كتب نقدية أو عروض في مجلات، لوجدنا كلها تدور في حلقة مفرغة: قضية الشكل بمعزل عن المضمون.
في ظل هذا المعمعان من القول الشعري المتفتح على تحرر شكلي جديد من البناء الشعري، ومن المضمون المعبر عن الانتماء الإديولوجي للشاعر، شهد المشهد الشعري أيضا صعود أصوات شعرية متهربة من أي انتماء سياسي واضح، بل لنقل غير منتمية بالمعنى الذي طرحه كولن ويلسن في كتابه اللامنتمي؛ أصوات شعرية (توفيق صايغ، جبرا ايراهيم جبرا… الخ) كان غرضها صياغة مضامين شعرية جديدة من خلال التحرر الشكلي من الوزن. لكن كان عليها أن تنتظر هذه التجارب الشعرية الليبرالية، مجيء شاعر اسمه يوسف الخال لإحداث الأزمة التي تثير التساؤل النقدي حول مفهوم الشعر بشكل عام، وبالتالي ترغم كل شاعر على أن يحدد رأيه على نحو واضح من كل القضية الشعرية..
ففي محاضرته التي القاها في “محاضرات الندوة اللبنانية” بأشهر قبل صدور العدد الأول من المجلة، وضح يوسف الخال بأنه يجب: “تطوير الإيقاع الشعري العربي وصقله على ضوء المضامين الجديدة. فليس للأوزان التقليدية أية قداسة.” ذلك أن المضمون هو الذي يخلق الشكل المناسب له؛ فالشاعر هو الذي يعطي ما لا شكل له شكلا… وعلى هذه الصخرة التحررية، تم تشييد مجلة “شعر” لفتح نوافذ التعبير الذاتي على آفاق جديدة من القول الشعري والوقوف وجها لوجه مع التيار الايديولوجي لشعر التفعيلة. وخير تلميح نقدي وجهته مجلة “شعر” لشعراء التفعيلة للخروج من اللغة الإيديولوجية هو قصيدة “ميت في بلد السلامة” لأحد شعراء التفعيلة الطالعين آنذاك سعدي يوسف. فقصيدة سعدي يوسف المستوحاة من حادث حقيقي في الجنوب العراقي، نقلت تجربة حياتية نقلا جعلت من هذا الحادث موقفا سياسيا دون أية إشارة إيديولوجية. واختيار الخال لها لتكون فاتحة العدد الأول من المجلة، لم يكن اعتباطيا، بل كان إشارة لحركة شعرية جديدة، ويلبي هذا الاختيار البند الأول لمحاضرته في الندوة اللبنانية: “التعبير عن التجربة الحياتية على حقيقتها كما يعيها الشاعر بجميع كيانه/ أي بعقله وقلبه معا.” وقصيدة سعدي يوسف فذة ورائدة في هذا الكتابة الشعرية وصلت ذروتها في ديوانه “قصائد مرئية” وتعثرت فيما بعد.. كما فضل الخال نشر مقطع نقدي بقلم ارشيبالد ماكليش مترجم عن الانجليزية، ليكون أشبه ببيان المجلة الشعري، يؤكد فيه أن الشعر هو فعل سياسي بحوهره وليس بحاجة إلى أن يخضع إلى خطاب سياسي ما… وهذا ما لم يكن في حسبان معظم النقاد والشعراء المتصارعين حول مسيرة “الشعر الجديد” آنذاك…

ويوسف الخال الذي عاش في أمريكا واطلع على تطورات “الشعر (بمعنى النظم) الحر” Free Verse   كان متفتحا لكل تجربة شعرية جديدة وواعيا إلى أن التحرر الشكلي الذي قامت به حركة “الشعر الحر” العربية، سيؤدي في نهاية الأمر إلى شعر حر خال حتى من الأوزان، كما حصل للشعر الحر الأوروبي والأمريكي.. فها هو شاعر جديد اسمه محمد الماغوط  الذي عاين عن كثب لغة الواقع البوهيمية بكل تشردها ومتاهتها في شوارع العيش الخلفية، مأخوذا بتدفق الصور وتدفق المعاني بأوزانها الخاصة، دون أن يستذكر العروض والتفعيلات أو يلبي التزاماتها.. يكتب شعرا حرا وليس قصيدة نثر كما يتصور معظم النقاد… وها هو شاعر شاب آخر أسمه أنسي الحاج المتطلع إلى تكسير النحو العربي وتوتير المفردات العربية لكي تتنفس العربية شعرا جديدا أقرب إلى قصيدة النثر والشعر الخالي من الأوزان، وأخذ على عاتقه مساءلة نقدية تكسيرية لما كان يصدر من دواوين شعرية إيديولوجية. … وسرعان ما هجر شوقي ابو شقرا الوزن ليعبث بالجُمل والتراكيب من أجل شعر يخرج من صلب اللغة المستعملة، إذ حصان العائلة بحاجة إلى ماء.. أما أدونيس، فكان كعادته يلعب دور المنظر المتلهف إلى احتواء كل ما يظهر من تنظير جديد… وهناك عشرات من رفاق الطريق شعرا ونقدا. في نفس المحاضرة، طالب يوسف الخال أيضا الشعراء بأن يعوا “التراث الروحي – العقلي العربي، وفهمه على حقيقته وإعلان هذه الحقيقة كما هي، دون ما خوف أو مسايرة أو تردد… وبالتالي الغوص إلى أعماق التراث الروحي – العقلي الأوروبي، وفهمه وكونه، والإبداع فيه.”

في الحقيقة أن مجموعة “شعر” وعت التراث وبينت خلله وعدم صلاحيته في مواكبة روح العصر، وعيا جريئا سيجعلهم في عزلة وموضع شبهة في نظر السلطة الأدبية آنذاك، والوعي هذا تجلى ليس فقط في مقالات ونقد ونماذج شعرية شاذة من وجهة نظر النحو العربي، بل خصوصا بالغوص في أعماق التراث الأوروبي وترجمته.
وإذا تعودنا من المجلات على قراءة ترجمات لتراث أوروبي لم يعد له مفعولية، فإن مجلة “شعر” كانت تقدم لنا ترجمات تواكب آخر التجارب الشعرية العالمية.. وتضعنا في مرآة هذه التجارب.. والأخطر بأسلوب كان بحد ذاته محرضا على كتابة شعرية جديدة. وكما قلت سابقا ولا زلت أؤمن بأن الشعر العربي المعاصر مدين إلى ما تراءى من نماذج عبر ترجمات مجلة “شعر” أكثر مما هو مدين للإنتاج الأدبي العربي الحديث نفسه! فمن خلال ترجمات “شعر”، برز أمام الشعراء الشباب syntax تركيب جديد للجملة الشعرية لم يُعهد من قبل.. إن ما يعتبره السلفيون بشتى تجلياتهم، عربية مكسّرة، وجمل لاعلاقة لها بالبناء الكلاسيكي للجملة العربية، كان هو الشعر عينه الذي لا يزال يلهم عشرات الشعراء والشاعرات الجدد اليوم…

 

 

 

لكن… نعم لكن،
يبدو أنه في غمرة التجريب والدخول في معمعان النقاش مع شرطة مجتمع متحجر في تراثيته، لم يكن هناك متسع أمامهم لتوضيح عدد من المفاهيم وبالأخص مفهوم قصيدة النثر الأوروبية ومفهوم الشعر الحر. يا تُرى، ماذا كان حدث للكتابة العربية الجديدة، لو خصصت مجلة “شعر” عددا كاملا لنماذج قصيدة النثر الفرنسية، مثلا، وعلى نحو مدرسي!
ومع هذا فإني أستطيع القول أن هناك شعرا قبل “شعر” وشعرا ما بعد “شعر”. وإن رغبة يوسف الخال العميقة في أنه من الضروري أن تكون حديثا دائما للمرة الأولى، ستكون هي ما يتبقى من مشروع “شعر” ساريَ المفعول… وإن العربية فقدت الطاقة الإبداعية التي كان يمدها الآخر، المسيحي اللبناني عندما كان يتنفس في هواء العربية الطلق، لاتحاصره خفافيش الظلام كما اليوم… نعم لا يمكن الاحتفال بالعيد الخمسيني لهذه المغامرة الشعرية، دون الانحناء للآخر المسيحي اللبناني الذي لولاه لما كان تغيّر الشعر العربي إلى قصيدة مفتوحة للجميع. (عن “ملحق النهار الثقافي” المخصص للذكرى الخمسينية لتأسيس مجلة “شعر”/ الاثنين 11 شباط 2007)

لست عراقيا في عراق الأنثولوجيات الضحلة

عبدالقادر الجنابي  

إلى ع. م. الذي يعمل سرا على أنثولوجية للشعر العراقي في إحدى اللغات الأوروبية

قلما تجد في العربية شاعرا يستطيع أن يرفض دعوة لضم قصائد له في انطولوجيا، أو في مجلة، أو في كتاب جماعي. فالجميع تستهويه الانضمام في القطيع الجماعي، رغم علمه أنه سيكون إلى جانب الفاشل، والحقير، والرديء. وإذا رفض فعلا، كأدونيس عندما رفض المشاركة في معجم بابطين، فمن باب التعالي والشعور بالعظمة وليس من باب الموقف الأخلاقي المتخذ عن وعي نقدي. لذا ستكون مهمة الذي يفكر بانجاز أنثولوجيا شعرية، من أصعب المهام. فعليه أن يخلط الحابل بالنابل، وإلا الويل له من نسيان شاعر، خصوصا شاعر عراقي: فقد تأتيه طعنة نذلة لا شفاء منها، بل ستشوه سمعتُه في كل مكان وبكل الوسائل الدنيئة… وهذا ما حصل لي عندما أنجزت عام 1999انثولوجيا شعرية بالفرنسية ضمت 95 شاعرا عربيا من فترة ما بين 1950 و1982، فهاجمني رهط من “الشعراء”، العراقيين لحما ودما، بشتى النعوت بل بعضهم أصبحوا وشاة للمخابرات السورية حد انهم كتبوا باني أزور تل أبيب كل يوم!!! طبعا لم ير واحد منهم الأنثولوجيا وانما شتموني بمجرد علمهم انهم غير موجودين.. وأتذكر عندما ذهبت إلى القدس (وهي المرة الوحيدة) للمشاركة في مهرجان الشعر العالمي عام 1997 وكتبت مقالة من خمس حلقات نشرتها “الحياة” اللندنية آنذاك، أخذ عدد من كتاب العدل العراقيين (الذي كانوا معارضين لصدام) يتنافسون بينهم على من سيكون الأول في ايصال تقريره لمخابرات اللاتطبيع أو لمكاتب منظمة فتح… “لابادتي” كما كان يتمنى شاعر فاشل… والجميل في الحكاية أن أحد اعضاء منظمة فتح نهرهم قائلا: هذا شيء يخصه، عرفات أيضا هناك ويتحدث مع إسرائيليين. لم يقاطعني أي عربي أو فلسطيني وانما فقط ابلغوني باحترام شديد عدم موافقتهم على المشاركة في مهرجان الشعر العالمي المنعقد في القدس المحتلة. ربما يقول قائل: إن العرب لهم أيضا هذه الطباع… لكن عنصر الوشاية متجذرة بالتأكيد في العرق العراقي أكثر من أي عرق آخر! والبرهان أن المآساة الحقيقية في العراق اليوم هي أن أي عراقي يتحول برمشة عين إلى واش وبالتالي إلى قاتل: انعدام الثقة والميل إلى الغدر عنصران أساسيان في حياة عراقيي اليوم.

على أني أعترف بأن الشعراء العرب الذين لم استطع ضمهم بسبب المساحة المحددة لي (390 صفحة) وبسبب كون بعضهم لاينتمي إلى الفترة الزمنية التي اخترتها للأنثولوجيا، لم يوجه لي أي واحد منهم شتيمة او لوما، باستثناء الشاعر الصديق شوقي بزيع الذي كتب رسالة عتاب جد جميلة مما شعرت بالخجل أمامه.

 كم كان فعلا ملهما ما كتبه أنسي الحاج، في “النهار” قبل أكثر من ربع قرن، محذرا دار العودة من إصدار مجموعة أعماله الشعرية. جرأة كبيرة، لأنه الموقف المطلوب الذي لا يأبه بالعواقب، وإنما بهيبة الشعر… بات هذا الفعل بالنسبة إلي قوتا دفاعيا، حتى يومنا هذا، أمام دجل بعض الانثولوجيات وبعض الدعوات التي لاغرض لها سوى المقايضة: أنشرْ لي أنشرُ لك… مما أرفض دوما الاستجابة للطلبات التي تأتيني (وأنا متأكد بحكم وظيفتي في إيلاف كمسئول عن الصفحة الثقافية) من أفراد عرب وعراقيين… بل وصل بي الأمر أني حذّرت أمّيا، قبل سنوات، من استخدام قصائدي في أي مشروع يحمل اسمه، وإلا سأقاضيه قانونيا.

وذات مرة كتب السوريالي الراحل جان شوستر رسالة، في مطلع ثمانينات القرن الماضي، إلى الشاعر الكبير رونيه شار يطلب فيها السماح بنشر بعض قصائده في أنثولوجيا للشعر السوريالي كان يعدها شوستر لكي تنشر في برازيل باللغتين الفرنسية والبرتغالية. أجاب شار وعلى نحو قاطع بالنفي ومنعه من استخدام اية قصيدة في أي انثولوجيا تتعلق بالشعر السوريالي، فرغم كل احترامه لأندريه بروتون احتراما لايتزعزع، فهو لايعتبر شعره سورياليا رغم أن قصائده الأولى كتبت إبان انتمائه للسوريالية في شبابه. وقد فهم شوستر الأمر وشكره. هذا هو خوف الشعراء الحقيقيين: أن لا يتشوه مشروعهم في كشكول خارج السياق… تصوروا لو تم الطلب عندنا: لتوسل حتى السلفي الرجعي التافه الانضمام كشاعر سوريالي!

أية أنثولوجيا مهما كانت مشغولة لا تزيد من حقيقة الشعراء المختارين فيها، (فقط الصغير والفاشل يتصور هذا)، لكنها قد تنقص من قدر شاعر.. لذا يجب انجاز انثولوجيات إما شخصية فتعبر عن ذائقة شاعر فرد وهنا له كل الأعذار في أن يختار بضعة شعراء زملاء له، فتؤخذ اختياراته كبيان شعري خاص به… أو مؤسساتية أي عمل مدروس تصدر عن جهة ثقافية لتسليط النور على تجربة شعر في بلد ما أو شعر تيار ما. وهنا تكمن الخطورة: إذ يجب أن تُدرس الأسماء المختارة من جميع النواحي.. حتى تخرج أنثولوجيا شعرية معبرة، الغبن قليل فيها… وإلا إذا أعطيت لأيٍ كان، فستكون فعلا انثولوجيا أيٍ كان على طريقة الأخوانجيات الشائعة في الوسخ العراقي. يمكن إيقاف مشاريع تشويهية كهذه، ما إن يرفض شعراء حقيقييون أُستخدِموا للتمويه؛ شعراء يعرفون حق المعرفة أن قصائدهم ستكون إلى جانب أسوأ قصائد في نظرهم هم، وهذه قمة الإهانة التي توجه لهم! فمسكن الشاعر هو المقام الذي ستحل فيه القصيدة. 

إن القصيدة التي يختارها شاعر تافه تعود بالتأكيد تافهةً؛ فاقدة لكل ما كان يميزها كقصيدة. ومن هنا يجب أن يكون جواب الشاعر الحقيقي كالتالي: من قال لك، أيها الحقير، أنا شاعر بالمعنى الذي تعطيه للشعر!

خلاصة كلمتي تتضمن التالي: ممنوع نشر أية قصيدة لي في أي انثولوجيا تتناول الشعر العراقي.. وهذا الانذار موجه للجميع بل حتى لصديقي الشاعر هاتف جنابي وآمل أن يأخذ هذا التحذير مأخذ جد، رغم قناعتي بقدرته على انجاز انثولوجيا جدية ومعبرة بالبولندية…

فالعراق اليوم ليس إلا مستنقعا تحرسه كلاب اللغة الطائفية، وأي انتماء لهذا العراق الضحل هو عملية سحق لكل شظايا الحلم الصغيرة تلك التي كان يتغذى منها عراق آخر. وأن الشاعر العراقي، خصوصا، بات اليوم جبانا مزدوج اللسان، تارة يتشدق بشعارات العَلمانية والمدنية، وتارة يتخفى وراء أقنعة الأمر الواقع… غير قادر على أن يبصق علنا على هُويته الشيعية، السنية، الآشورية، الكردية، التركمانية… إلى أخر هويات مجتمع الكذبة الكبيرة. نعم العراق اليوم مستنقع ليس بفضل الاحتلال الأمريكي، كلا! وإنما بسبب الشخصية العراقية نفسها (انظر مقالتي: عراقيون من هذا الزمان). ولم تكن مجرد مصادفة شعرية أني كتبت القصيدة التالية ونشرتها في ملحق النهار الثقافي قبل اندلاع حرب إسقاط نظام صدام بشهر، واخترت لها عنوانا: “بلد لن أرى”… ويبدو فعلا أنه بلد لن أرى.. وأنه محكوم بالموت وعليه أن يولد من موته هو:

بلد لن أرى

يَنبتُ في الرأسِ
ملامِحُهُ تَتضخّمُ
وكأنّهُ ضوءٌ عائمٌ في الأنهارِ
يحرسُه السَّوسنُ والرمادْ
يكبو ويَنهضُ في أقبيةِ ماضيهِ.
بَلدٌ جالسٌ على مَصْطَبةٍ
يَموءُ تحتها عالمٌ أتذكّرُهُ:

كنتُ أبحثُ عنهُ
فوق صواري السفرْ
في مدنِ القراءةْ
في مقاهي البعيدْ
بين الشراشِفِ والكراسي
يَطفو مع الليلِ
يُولَدُ مع النورْ
أشبَهُ بالأثيرْ
يتلاشى وضباب الفجرِ
في دياجير النظرْ.

بلدٌ يَموتُ في نَثرِه
في الحبرِ الذي أسالَهُ
لا وميضَ يناديهْ
لا أمَّ تبكيه
ولا قاربَ له في آجِنْدةِ الماءْ.

بلدٌ…
أنْ يولَدَ
بالموت الذي فيه. (ملحق النهار الثقافي عدد 571 الأحد 16 شباط 2003)

 

http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2007/4/223261.htm