تخطي التنقل

Category Archives: وقائع

 

فراديس) مجلة تعنى بالشعر وتحولاته أطلقها وحررها من باريس الشاعر عبد القادر الجنابي في تسعينيات القرن العشرين

هذه المدونة التي يحررها ويشرف عليها الشاعر حكمت الحاج هي تكريم لذكرى (فراديس) وصاحبها ولقوة ما أنتجته من تأثير في الشعرية العربية الراهنة

تتضمن هذه المدونة ما تيسر من مواد (فراديس) المجلة بأعدادها العشرة قبل توقفها عن الصدور، اضافة الى أهم ما كان قد نشر، وما استجد من أعمال الشاعر عبد القادر الجنابي، على أمل أن تتوفر الامكانات والفرص لنشر أعداد مجلة (فراديس) كاملة كما تم نشرها حينها

بكائية من أجل إغناثيو سانشيز ميخِيّاس
GMT 15:00:00 2007 الأحد 10 يونيو ترجمة عبدالقادرالجنابي

بقلم فيديريكو غارثيا لوركا (1898 – 1936)

ترجمة وتعليق عبدالقادر الجنابي: أطلعت على خمس ترجمات فرنسية وثلاث باللغة الانجليزية لقصيدة لوركا، فلم أجد واحدة تخلو من عديد الأخطاء والتأويلات البعيدة. لذا رجعت إلى الأصل الإسباني وقد لعبت زوجتي الإسبانية الأصل، دورا جد كبير في توضيح مبنى القصيدة ومغزاها كلمة كلمة، بيتا بيتا. أما الترجمات العربية فهي تصول وتجول في تجزير القصيدة حذفا وغلطا، إيقاعاً وتركيبا… سواء تلك التي قام بها عبد الرحمن البدوي بحيث أن مفردة bordon التي ترد في القصيدة، علاوة على انها تعني عصا (حاج)، فإنّ المعنى المراد لها في القصيدة هو “نغم الأوتار الجهيرة المطّرد”، لكنه صار عند الدكتور عبد الرحمن بدوي “زنبورا”! وهذا يعني انه ربما كان قد ترجم القصيدة عن نسخة فرنسية تحتوي على هذا الخطأ، وليس عن الأصل الأسباني، وهناك عناوين أخرى وجمل عديدة تزيد شكنا هذا مثل عنوان المتوالية الأولى “الجرح” بدل “النطحة”، لأن احد المترجمين الفرنسيين وضع la blessure كمقابل لـ bordon…
أو تلك التي انجز (ها) عليها خليفة التليسي وعدنان بغجاتي، و سعدي يوسف الذي غالبا ما تتحول لديه المعاني المرادة (في كل ترجماته) إلى معان غريبة، خذ مثلا عبارة :perros apagados والتي هي “الكلاب المنطفئة، باهتة أو خامدة” فقد ترجمها سعدي يوسف إلى “كلاب غامضة”! وخذ مثلاً آخر هذا البيت البسيط: “فما من كأس يحتويه” Que no hay c?liz que la contenga، لقد صار عند سعدي “إنه ليس كأسا لأتناوله”!!
إن أبسط مراجعة نقدية لما تُرجم من أدب غربي، وخصوصاً الشعر منه، إلى العربية، ستكشف عن حقيقة مؤلمة وهي ان العرب يقرأون بالغلط، وليس لديهم اية معرفة حقيقية بماهية هذا الشعر، وشفافيته الإنسانية وبالتالي تغيب عنهم إمكانية معرفة لماذا شعر الآخر هذا كوني ومُلهِم يتجاوب وأنا أي قارئ بغض النظر عن جنسية كاتبه المختلفة.
أمّا الآن، فإلى القصيدة التي بدأ لوركا كتابتها مباشرة بعد موت إغناثيو، ولم ينته منها إلا بعد عام. بالنسبة إلى لوركا، كانت مصارعة الثيران “فنا يكشف سيادة الذكاء على الغريزة، وكان إغناثيو بطلاً من أبطال الفن والإبداع”. بل رأى لوركا (حسب بعض الروايات) في موت إغناثيو “موته الآتي”… “بمناخس الظلمات”، أمرٌ جعل هذه البكائية شديدةَ العمق ودفع النقاد إلى أن يعدوها واحدة من أعظم المراثي التي كُتبت في تاريخ الشعر العالمي.
بكائية من أجل إغناثيو سانشيز ميخِيّاس (1935)
إلى صديقتي العزيزة انكارناثيون لوبث خوليث

النطحة والموت (1)
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
كانت تمام الخامسة بَعْد الظُهر.
جاء طفلٌ بملاءة بيضاء
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
قُفّةٌ من الجير جُهّزَت
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
ما تبقّى موتٌ ولا شيء سواه
في الخامسة بَعْْد الظُهر.

سَفَت الرياحُ القطنَ
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
والأوكسيد بَذَر نِيكلاً وبلّوراً (2)
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
ها هما الفهد والحمامة يتصارعان
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
وفَخِذٌ فيه قرنٌ أسِيف
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
بدأ ونين الأوتار الرتيب
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
الأجراس الزرنيخيّة والدخان
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
في الأركان جمهرات صمتٍ
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
والثورُ وحده لن تُثبَط عزيمتُه
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
حين أخذ العَرَق الثلجي يقترب
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
حين غُطّيَت الحلبة باليود
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
وضع الموتُ بيوضاً في الجرح
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
في تمام الخامسة الزواليّة
السرير نَعْشٌ ذو عجلات
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
عظامٌ ومزاميرُ ترنّ في أُدْنيه
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
ذا هو الثورُ يخور لُدن جبهته
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
كانت الغرفة مُقزّحَةً بسَكْرة الموت
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
ذي هي الغنغرينا قادمة من بعيد
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
بوق زنبقٍ في منبت الفخذين الأخضر (3)
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
كشموسٍ كانت الجراح تَلهبُ
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
وكانت الحشود تهشّم النوافذَ
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
في الخامسة بَعْْد الظُهر.
أه، يا لهول الخامسة بَعْْد الظُهر.
كانت الخامسة في كلّ الساعات
كانت الخامسة في ظل الأصيل.

الدم المراق
لا أريد أن أرى دمه.

قولوا للقمر أن يأتي
فلا أريد أن أرى دمَ
إغناثيو على الرمل.
لا أريد أن أرى دمه!

القمر مفتوحٌ على مصراعيه
جوادُ السُّحب الساكنة،
وحلبة المنام الرماديّة
ذات الصفصاف مدار الأسيجة.

لا أريد أن أرى دمَه!
فإنَّ ذاكرتي تشتعل.
ابلغوا الياسمين
ذا الزهيرات البيض!

لا أريد أن أرى دمه!

بقرةُ العالم القديم
مرّرت لسانَها الحزين
فوق مخطمِ الدماء
التي يتشرّبُها رملُ الحلبة، (4)
وثيرانُ غيساندو، (5)
كأنما هي موتٌ، حَجَرٌ،
تخور كقرنين من الزمن
سئمةً من وطء الأرض.
لا.
لا أريد أن أرى دمه!

عبر الدرجات يتجّه إغناثيو صُعداً
وجلُّ موتِه فوق ظهره.
كان يبحث عن الفجر
لكن الفجر لم يطلع
يتشوّف إلى طَلالَتِه الواثقة
فيضلّه المنام.
كان يبحث عن جسده الجميل
فوجد دمَه المفتوح.
لا تقولوا لي عليّ أن أرى الدّمَ!
لا أريد أن أتحسسَ الشُّخْبَة
الفاقدة كلَّ مرّةٍ قوّتها؛
تلك الشُخبة التي أخذت تنوّر (6)
المدرّجات وتَنصَبُّ
فوق مخامل
جمهور ظمآن وجلوده.
من ذا الذي يناديني كيما أُطِلُّ!
لا تقولوا لي عليّ أن أرى دمه!

لم يُغمض له جَفنٌ
حين رأى القَرنين قريبين،
لكنّ الأمّهات الرهيبات
أشرأبت رؤوسهنّ
ومن مَربى المواشي
ارتفعت نَدْهةُ أصواتِ سرّية،
أصواتِ رعاة الضباب الشاحب،
صارخةً إلى الثيران السماوية.

أميرٌ وليس كمثله
في اشبيلية أميرٌ،
ولا من سَيفٍ كسيفه،
ولا من شجاعة حقيقية إلى هذا الحد.
كسَيلٍ من الأُسود
قوّتُه المدهشة
وكتمثالٍ نصفي من المرمر
فطنته المرسومة
سيماءُ روما الأندلسية
كانت تكلل رأسَه بالذهب
بحيث غدت ضحكته سُنبُلاً
من المُلْحة والذكاء.
ما أعظمه من مصارع
ما أجوده من جبليّ!
ما أنعمه مع السنابل!
ما أقساه مع المهاميز!
ما أرقّه مع الندى!
ما أبهره في الأعياد!
ما أرهبه مع أخر
مناخس الظلمات! (7)

لكنّه الآنَ نائم نومةً سرمديّة.
ها هي الطحالب والأعشاب
تفتحُ بأصابع وثيقة
زهْرةَ جُمجمتِه.
هو ذا دمُه مغنّيا:
مغنّياً عبر المستنقعات والسُّهول،
ينزلق طوال القرون المتصلّبة من البرد،
يترنّح بلا روح في الضباب،
يتعثر بآلافِ الحوافر
كلسانٍ مستطيل، قاتم، كئيب،
مكوّناً قرب “وادي” النجوم “الكبير”
بِركةً من النزع الأخير.
آه يا جدارَ أسبانيا الأبيضَ!
آه يا ثورَ الحزن الأسودَ!
آه يا دمَ إغناثيو العسيرَ!
آه يا عندليبَ أوردتِه!
لا.
لا أريد أن أرى دمَه!
فما من كأس يحتويه،
ولا من سنونو يشربه،
ولا من صَقعة نورٍ تبرّده،
ما من أغنية ولا فيضان زنابق،
ولا من بلّور يُفضِّصَهُ.
لا.
لا أريد أن أرى دمَه!

جسدٌ حاضر (8)

بَلاطةُ الحجر (9) جبهةٌ حيث تنوح الأحلام
ليس لها ماء متعرّجٌ ولا سَرْو جليدي،
إنّها ظَهْرٌ محمولٌ فوقه الزمنُ
وأشجارُه المجبولة من الدمع، أشرطتُه وأجرامُه النّيّرة.

رأيتُ أمطارا رماديّةً تهرع تجاه الموج
رافعةً رهيفَ أذرعتِها المُثَقَّبةِ كالغربال،
كي لا يقتنصها الحجرُ الممدّد
الذي يطلق أعضاءها دون أن يتشرّب بالدّم.

فالحجر يمسكُ بالغيم والبِذار،
بهياكل القبّرات وذئاب الغَبش،
لكنّه لا يعطي أصواتاً ولا بلّورا ولا ناراً،
بل حلبات وحلبات ومزيدا من حلبات دون أسوار.

ها هو إغناثيو كريم الأصل والمنبت
ممدّدٌ على بَلاطة الحجر.
لقد أنتهى الأمر؛ ماذا يجري؟ انعموا النظر:
الموتُ يغطّيه بكبريت شاحب
ويعطيه رأسَ “مينوتور” داكن.

لقد أنتهى الأمر. من فمه يلجُ المطرُ.
مرتعباً يتركُ الهواءُ صدرَه المنخسِف.
والحبّ، المُشرّب بدموع الثلج،
يتدفّأُ في سدرة المراعي.

ماذا يقولون؟ صمتٌ منتن يستقرُّ.
نحن أمام جسدٍ حاضرٍ يتلاشى،
ذي شكل جليّ كان له بلابل
وها نحن نراه يمتلئ بثقوب ليس لها قرار.

مَن يجعّد الكفن؟ ليس صحيحاً ما يقوله!
فما من أحد هنا ليغنّي أو يبكي في ركنٍ ما،
ولا مَن يَنخسُ أو يرهب الأفعى
هنا لا أريد إلاّ عينين مستديرتين
حتّى أرى هذا الجسدَ دون راحة ممكنة.

أريد أن أرى هنا رجالاً أقوياءَ الصوت،
أولئك الذين يروّضون الخيل ويتحكّمون في الأنهار:
أولئك الذين ترنّ هياكلهم العظمية، ويغنّون
بأفواه مليئة بالشمس والصّوان.

أريد أن أراهم هنا. أمام بَلاطة الحجر
أمام هذا الجسد المحطّم العنان.
أريدهم أن يدلّوني على مخرجٍ
لهذا الربّان المقيّد بالموت.

أريدهم أن يلقنوني بكائية شبيهة بنهرٍ
عذب الضباب وعميق الضفاف
يجرف جسدّ إغناثيو معه حتّى يتلاشى
دون أن يسمعَ نخيرَ الثيران المضاعف.

علّه يتلاشى في الحلبة المستديرة للقمر
المتظاهرِ منذ الطفولة دابةً عليلة مشلولة؛
علّه يتلاشى في ليل خال من غَرَدِ الأسماك
وفي أجَمة الدخان المجمّد البيضاء.

لا تغطّوا وجهه بالمناديل،
أريده أنْ يعتاد على هذا الموت الذي يحمله.
اذهب يا إغناثيو. لا تسمع هذا الخوار الحار.
نمْ. حلّقْ. استرحْ: فالبحر أيضا يموت.

روح غائبة
لا الثورُ يعرفك ولا شجرةُ التين
لا الخيلُ، ولا نملُ دارِك.
لا الطفلُ يعرفك ولا ساعة الأصيل
لأنّكَ مُتّ إلى الأبد.

لا ظهرُ الحجرِ يعرفك،
لا الحريرُ الأسود حيث تتفتّت.
ولا ذاكرتُك البكماءُ تعرفك
لأنّكَ مُتّ إلى الأبد.

سيأتي الخريف بأبواق المحار، (10)
بأعناب الضباب وأفواج الجبال،
لكنّ أحداً لن ينظر في عينيك
لأنّكَ مُتّ إلى الأبد.

لأنّكَ مُتّ إلى الأبد.
ككلّ موتى الأرض،
ككلّ الموتى المنسيين
في كومة من كلاب منطفئة.

كلا. لا أحد يعرفك. لكنني أتغنّى بك.
أتغنّى بطَلالتكَ ولطفكَ، لفيمابعد.
بنضجِ حصافتك المرموق.
باشتهائك الموتَ وطعم فمه.
بالحزنِ الذي امتلكَتْهُ ذات مرّةٍ بهجتُك الباسلة.

لوقتٍ طويلٍ لن يولد، هذا إذا وُلِدَ،
أندلسيٌّ جليّ مثلك، وغنيّ بالمغامرة مثلك،
ذا أنا أُعظّم أناقتَه بنائح الكلمات،
ومتذكراً نسمة حزينة تخلّلت أشجار الزيتون.

إحالات:
1- La cogida تعني حرفيا المَسْكة أو اللّزمة، أي نطحة القرن الجارحة جرحا جد بليغ، بحيث غالبا ما يُصاب المصارعُ إثرها بالغنغرينا الآكلة. وهذا عين ما حصل لميخيّاس فمات في اليوم الثاني. ويقال أن لوركا لم يكن بعيدا، رفض الذهاب الى المستشفى لرؤيته رغم ما توحيه أبيات المتوالية الثالثة، مثل: “نحن أمام جسد حاضر يتلاشى”.
2- ترجم بعض المترجمين خصوصا الانجليز كلمة Oxido (أوكسيد) بـ rust (صدأ) مشيرين إلى مرض الشّقران في النبات. فضلت الاحتفاظ بالصورة كما هي في الأسبانية، إذ ليس هناك ما يشير إلى ذلك.
3- عصبة زنابق مشدودة على هيئة صُور. المعروف عن لوركا، كما يتضح لنا من خلال التحقيق النقدي للمسوّدات الذي قام به المختص بأعماله في اللغة الفرنسية أندريه بيلاميش، أنّ لوركا كان يشتغل قصيدته صوريا، ربما بسبب تأثره بالسوريالية. فمثلا هذا البيت: “بوق زنبق في منبت الفخذين الأخضر” كان في المسودة الأولى: “بوق زنبق في الأزقة”، وفي مسوّدة ثانية “في منبت الفخذين المكسور” قبل أن يستقر في شكله الحالي. بل كان يعمل، أحيانا، على تغيير الصورة كلها كما في في بداية البيت الأول من المقطع السابع في المتوالية الثالثة: “من يجعّد الكفن”، كان في المسوّدة الأولى: “من يتكلّم أسفل السور”.
4- Arena كلمة لاتينية تعني “الرمل” ومعروف عنه أنه يتشرّب الدم المراق. وقد أصبحت تعني في الانجليزية والفرنسية “حلبة” لكن احتفظت الأسبانية بالمعنى اللاتيني الأصلي. واستعمل لوركا في قصيدته كلمة La plaza كـ”حلبة”.
5- “ثيران غيساندو” تماثيل قديمة تعود إلى العهد الروماني.
6- ilumina يستعمل لوركا فعل “ينوّر” بمعنى “ينمنم أو يزخرف” مخطوطة. وثمّة مخطوطات تسمّى بالعربية “المخطوطات المنوّرة” أي المزوّقة. يذكر التوحيدي: “قال أبو سليم: كنت أكتب المصاحف فمرّ بي علي بن ابي طالب رضي الله عنه فقال: أُجلِلُ قلمك. فقصمتُ منه قَصمةً ثم كتبتُ فقال: نعم هكذا، نوِّرْهُ كما نوَّره الله”.
7- banderilla عصا يثبت في رأسها إبرة طويلة حادة تغرز في عنق الثور للقضاء عليه. يترجمه البعض يمغرز، لكنني فضلت كلمة منخس.
8- فضلت ترجمة عنوان المتوالية الثالثة Cuerpo presente بـ”جسد حاضر” لا بـ”جسد ظاهر للعيان أو جثمان مسجى”، حفاظا على التقابل الذي يضمره لوركا بينها وبين عنوان المتوالية الرابعة: “روح غائبة”.
9- Caracola تعني في منطقة “مورسي” زهرة متسلقة، وفي الأسبانية عموما تعني الحلزون، وصدفة جد صغيرة بيضاء، أما في اشبيلية حيث ولد ميخيّاس فتعني صدفة كبيرة يستعملها الرعاة بوقا.

اضغط على الرابط التالي لقراءة النص الأصلي للقصيدة:
http://home.tiscali.be/ericlaermans/cultural/lorca/llanto_por_ignacio_sanchez_mejias/indice.html

إغناثيو سانشيز ميخِيّاس
ولد في السادس من حزيران عام 1891 وتوفي في 12 آب 1934. كان إغناثيو سانشيز ميخِيّاس معروفا كأحد المصارعين الكبار، رغم أنه لم يمتهن هذا الفن، إذ كان غالبا ما يترك مهنة المصارعة ليركز على اهتماماته الشخصية الأدب والفلامنكو، وقد كتب مسرحية، وكان صديقا لعدد من الأدباء من بينهم لوركا. في مصارعته الأخيرة، (11 آب) عندما حاول ان يقف على قدميه إثر سقطة عادية، استدار الثور فجأة وغرز احد قرنيه في فخذه وقذفه على الأرض وجرحه بشدّة. وعندما سحبوا الثور بعيدا، كان إغناثيو يسبح في بركة من الدم يتشرّبها رمل الحلبة، وشقت الغنغرينا طريقها إليه ليموت في اليوم التالي.

تنبيه: نشرت هذه الترجمة مع التقديم والاحالات أو في “القدس العربي”(1995)، وأعيد نشرها في “ايلاف” عام 2003.

بكائية من أجل إغناثيو سانشيز ميخِيّاس.

عبدالقادر الجنابي

هنا نص مساهمتي في استفتاء جريدة “القدس العربي” حول الشاعر الراحل محمد الماغوط. وصيغة الاستفتاء التي وضعها محرر القدس العربي الثقافي، هي: قبل نحو عشرة أيام توفي الماغوط، أحد أهم رواد القصيدة العربية الجديدة التي تسمي قصيدة النثر ، وقد كُتب الكثير في وداع الشاعر والمسرحي السوري الذي رافق أبرز منعطفات الحياة السياسية والثقافية العربية كتابة وتعليقا، غلب عليهما، بالطبع، الاحتجاج والنقد علي الحال العربية. نتوقف في ما نأمل، أمام منجز الماغوط الابداعي علي نحو أكثر شمولاً وعمقاً، بحيث لا تطغي ذكري المناسبة الحزينة علي قراءة منجزه، والرثاء علي التأمل المتبصر. شعراء ونقاد عرب من بلدان وأجيال لاحقة علي الماغوط تلقي، هنا، نظرة متفحصة علي نتاجه.” وقد تم نشر الأجوبة كلها اليوم السبت 15 نيسان 2006:

الماغوط فقيد فوضى المصطلح

كلما أعود إلى شعر الماغوط، تتأكد لي هذه الملاحظة التي أريدها أن تكون خلاصة مساهمتي في هذا الملف عن شاعر أصيل محترم لنقائه وطفولته الشعريتين: لم يكتب محمد الماغوط أشعاره وفق مصطلح “قصيدة النثر” الذي لم يتم طرحه إلا بعد عام على ظهور “حزن في ضوء القمر”، وسنوات على معظم قصائده التي وفقا لسنية صالح أنها كانت مكتوبة كلها في شتاء 1956 وبقيت “مخبأة في الأدراج”… مصطلح أطلق عشوائيا على محاولات كانت تريد إحداث ثورة إيقاعية داخل شعر التفعيلة (صايغ، الماغوط، جبرا).. ناهيك بأن أدونيس الذي اطلق المصطلح انتظر عرضا نقديا لأطروحة دكتوراه لطالبة فرنسية اسمها سوزان برنار في أسبوعية لويس أراغون “الأخبار الأدبية”، حتى يدرك أن هناك شعرا أسمه قصيدة نثر، جاهلا أن ثمة قرنا من النتاج الغزير لهذا الجنس الأدبي غير المشطّر… والأنكى أن مجلة “شعر” لم تبادر أبدا بنشر ملف يشرح قصيدة النثر الفرنسية نموذجا وتنظيرا، لكي يطلع الشاعر العربي الجديد على آفاق شعرية لم يعهدها من قبل.
في نظري أن الماغوط القارئ النهم، الذي عاين عن كثب لغة الواقع البوهيمية بكل تشردها ومتاهتها في شوارع العيش الخلفية، مأخوذا بتدفق الصور وتدفق المعاني بأوزانها الخاصة، دون أن يستذكر العروض والتفعيلات أو يلبي التزاماتها.. كان يكتب شعرا حرا وليس قصيدة نثر. كما أن أي مقطع من شعر الماغوط، حتى الذي نشر بعد ظهور مصطلح قصيدة النثر، يدلل على أنه مكتوب من داخل إطار التفعيلة لكن على نحو طلق وحر:

“لأجلكَ أيّها الطائش
أيّها الرخيمُ كالعصفور
أمسك الملعقة من ذيلها
أمرِّرُها بين نهديّ كالزنبقة
منذ شهور وهو راقد بجوارنا
متلألئا كالسّيف تحت المياه
يكتب ويدخن ويبكي
ولا ينظر إلينا”

 “غرفة بملايين الجدران” ص 121 (1)

أبيات مصدرها أوزان عربية وفق جوازات شعر التفعيلة، وهذا ما لانراه لا في شعر شوقي أبو شقرا، ولا في شعر أنسي الحاج الذي كان واعيا للمصطلح، ربما ليس على مستوى النموذج الفرنسي، إلا في عدد صغير من القصائد… لكن بالتأكيد على صعيد البيت – الجملة حيث الوقفة / التقطيع أشبه ببداية فقرة جديدة في عمل نثري طويل مقطع إلى فقرات. ومما يؤسف له أن معظم شعراء الشعر الحر اللاحر (قصيدة النثر العربية) وجد أسلوب التشطير كمحاولة توفيقية مع التراث.
الشعر الحر مشتق من المصطلح الفرنسي Vers Libre “الشعر (والمقصود النظم) الحر”، الذي وضعه شاعر الرمزية غوستاف كان عام 1886 أي بعد مرور مايقارب ثلاثين عاما على ظهور قصيدة النثر الفرنسية… ويرتكز على وحدات مقطعية syllabes دون الالتزام بعدد ثابت لها. أي الانتقال من التفعيلة الثابتة إلى الإيقاع النبري المنفتح. وشعر التفعيلة العربي لايختلف كثيرا عن المبدأ فمرتكزه الوزني هو أيضا وحدة التفعيلة دون الالتزام بعدد ثابت من التفعيلات (2). على أن ما حصل من تطور أساسي للشعر الحر الفرنسي خلصته نهائيا مع ظهور السوريالية، من وحدة التفعيلة. الشيء نفسه حصلَ عندنا لكنه لم يؤخذ كتكملة لشعر التفعيلة، ولا كتطور منطقي للإيقاع الموسيقي يمليه روح العصر… وما ديوان “ثلاثون قصيدة” (انظر أنه لم يلحقها بـ”نثر”) لتوفيق صايغ، المطلع على تطورات الشعر الحر الأمريكي، سوى علامة من علامات هذا التطور (أُجهِضَ في مهده) الذي كان يجب أن يُفهم على هذا النحو وليس على النحو الخاطئ الذي حد من ديناميكة مشروع الشعر الحر وحجب كل الآفاق التي كانت ممكن احتضانها كما حصل في العالم، وبالتالي شوّه حقيقة قصيدة النثر على أنها تصد لشعر التفعيلة، وليس كجنس أدبي مستقل. وتجدر الملاحظة هنا إلى أن توفيق صايغ كان واعيا إلى أن شعره ليس قصيدة نثر وإنما شعر حر، وذلك بمحاولته التمييز بين ما سمي خطأ قصيدة النثر العربية كتمرد على شعراء التفعيلة، وبين قصيدة النثر الحقيقية كنمط أدبي جديد، فنشر في مجلته “حوار” عددا من النصوص الشعرية (لتيريز عواد، أسعد عاصي، يوسف غصوب الخ وهي أقرب النماذج الشعرية المكتوبة بالعربية آنذاك إلى نموذج قصيدة النثر الأوروبية)، تحت عنوان “شعر بالنثر” وهي ترجمة للمصطلح الأمريكي: Poetry in Prose الذي بدأ بالانتشار في أمريكا اعتبارا من منتصف خمسينات القرن العشرين ويطلق على نتاج قصيدة النثر الأمريكية.
كما أن الأعمدة الثلاثة لقصيدة النثر الحقيقية (إيجاز/ توتر/ جُزاف)، فقلما تتجلى في شعر الماغوط… ذلك أن الماغوط في قصائد كثيرة، يبقى يلهث دون توقف… بل ما إن يتجلى التوتر في شعره حتى يضيع في اللوذعية والضحك والسخرية الواقعية من العالم. وهذا بسبب ميله إلى مسرح شعري عابث ينطوي على خطة ملفقة في ذهن المؤلف… وهذا تهديم للعمود الثالث “جزاف” أي أن تكون مادة القصيدة حادث لا معنى له ولا غرضية شخصية.
باختصار: محمد الماغوط شاعر بكل ما تحمله هذه الصفة من تأويلات، إمكانيات وأضغاث أحلام… فمكانه ساطع في شمس الشعر الحر التي حجبها شعراء التفعيلة ورهط من جهلة النقاد.

1- انظر اطروحة جان كرمة عن قصيدة النثر العربية، باريس 1981
2- إن اعتبار جبرا إبراهيم جبرا وعبد الواحد لؤلؤة أن “شعر الماغوط وصايغ وجبرا هو الشعر الحر، وليس شعر الملائكة او شعر التفعيلة”، اعتبار خاطئ، ذلك أن تسمية الشعر الحر في فرنسا لم يطلق، في مرحلته الأولى على تجارب شعرية خالية مشطرة من الوزن، وإنما على قصائد تحررت من العدد الثابت للمقاطع، التي يفرضها الوزن الكلاسيكي، لكن شرطك أن يبقى ضمن قوانين تفعيلة الوزن الاكلاسيكي. فقصائد فيرلين هي تحترم البناء الوزني الالكسندراني لكن على نحو متحرر في عدد المقاطع في البيت الواحد… وبقيت التسمية تطلق على كل ما هو مشطر بهذا المعنى أولا، ثم على كل ما هو مشطر وتقطيع لا علاقة له بالوزن الالكسندراني قطعا. وهذا ما نجده في اغلب الشعر المشطر السوريالي، والعالمي منذ الحرب العالمية الثانية، وفي اية لغة أوروبية. إذن وجهة نظري هي ان الملائكة لم تخطأ في اطلاق تسمية الشعر الحر على جل التثوير في تحرير البيت الشعري من الخليل إلى التفعيلة الحرة… لكنها خطأت هي وشعراء التفعيلة وكل نقادنا الجهلاء، بعدم اعتبار التطورات اللاحقة التي ستصيب الشعر المشطر اعتبارا من توفيق صايغ وحتى آخر قصيدة عربية حديثة مشطرة يكتبها اليوم ما يسمى شعراء قصيدة النثر…. تطورات لم تبق من قوانين التفعيلة أي شيء.

الماغوط فقيد فوضى المصطلح.

هذا هو الشعر الحر وليس 
عبدالقادر الجنابي

الحلقة الأولى: نقاط تمهيدية
نحن لم نرافق ولادة المصطلح الثقافي الذي يأتي عبر جهد ورؤى لثقافة حيوية، ولم نتابع سيرورته / تداعياته، مما جعلنا هذا نجهل شروط نموه إلى مصطلح آخر أكثر استقلالية وتحررا في بيئته البعيدة عنا، يحتاج إلى قراءة جديدة خارج معايير معطى ماضيه… لقد عشنا، في خمسينات القرن الماضي وستيناته، مثلا، فورة ثقافية ناقصة تقوم على التعليق وليس على النص؛ على الفرع وليس على الأصل. انبثقت حركة “الشعر الحر” في لغتنا الشعرية، وقدمت أعمالا وأثارت سجالات من كل نوع، ومع هذا قلما تجد واحدا يستطيع أن يوضح ما هو “الشعر الحر” تاريخيا أي ضمن معطياته لدى الآخر الذي أخذنا منه المصطلح.
كان لدينا مترجمون كبار نعتمد عليهم اعتمادا كليا خصوصا في مجال الآداب الأجنبية: جبرا ابراهيم جبرا، احسان عباس، محمد يوسف نجم، سلمى خضراء الجيوسي، جميل الحسني، منح خوري، يوسف نور عوض، نظمي لوقا… وقد قاموا بمساعدة مؤسسات كفرانكلين وغيرها، بترجمة كتب نقدية حول الشعر، من بينها: “الشعر والتجربة” لماكليش، “شعراء المدرسة الحديثة” لروزنتال، “فائدة الشعر وفائدة النقد” لاليوت، “مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق” لديفيد ديتشس.. الى اخر الكتب التي كان الشاعر الطالع آنذاك يقرأها بنهم.. ومع هذا ظل جاهلا في قضية “الشعر الحر”، بالرغم من أن الشعراء المدروسين في هذه الكتب اغلبهم من رواد الشعر الحر. وأحد الأسباب هو أن هذه الكتب مكتوبة لقراء لهم أصلا معرفة أولية وأساسية بالمصطلح النقدي المعني مما لم يجد مؤلفو هذه الكتب حاجة إلى إعطاء تعريف مدرسي وتاريخي لمصطلح الشعر الحر، مثلا، بل فضلوا أن يتبحروا في النظريات النقدية التي أفرزتها تجارب الشعر الحر، دون تزويدنا بخلفية مجمل المفاهيم المتناولة في كتبهم..
عندما يسعف الحظ أحدنا بأن يعيش في دولة أوروبية، فسرعان ما يندهش من جهله المطبق بشتى الأمور الصغيرة التي كان يدعي معرفتها. أتذكر كم كان كتاب والاس فولي “عصر السوريالية” مطلوبا وكأنه الكتاب المقدس في ستينات بغداد، بينما ما إن توفرت لي بعض مصادر السوريالية الحقيقية في لندن وباريس، حتى تبيّن لي كم بعيد “عصر السوريالية” من أبسط مفاهيم السوريالية.. والصادم إني لم أجده مذكورا في كل قوائم المراجع التي وضعها مؤرخو السوريالية في نهاية كتبهم، وإذا أشير اليه في كتاب ما، صدفة من باب ذكر كل ماصدر عن السوريالية، فدائما مع جملة موضوعة بين قوسين (المؤلف في قمة التشويش والتخبط). بينما كان هناك في الانجليزية في منتصف الستينات كتاب قيم لماتيوس: “مدخل إلى السوريالية”، وهو الكتاب الأول من مجموعة كتب مذهلة حول السوريالية، ثاقبة في عرضها وتحليلها وكأنها تكاد تكون مكتوبة من داخل الحركة السوريالية، كان صديقا لي سبق له أن اشترك بمقال في مجلتي الانجليزية Grid. توفي ديسمبر 1986.
أما الذين كنا نتصورهم متفهمين ومطلعين بعمق على تاريخ المصطلح كالشعر الحر مثلا، وتطوراته، لم يكن هؤلاء، في الحقيقة أقل جهلا من قراء لا يعرفون لغة ثانية. خذ مثلا جبرا إبراهيم جبرا الذي قال أن شعر الملائكة والسياب لا تصح تسميته بـ”الشعر الحر” وإنما يجب أن تطلق التسمية هذه على شعره هو وشعر توفيق صايغ ومحمد الماغوط. لماذا؟ كيف؟ لم يعطنا تفسيرا مقنعا. لكن لا أدري إذا كان واعيا أن أفضل قصائد حركة الشعر الحر، في نظر النقاد، هي تلك التي كتبها شعراء متضلعون بالعروض الانجليزي إلى حد أنهم عرفوا يتلاعبون بالتفاعيل وبالمقاطع النبرية وغير النبرية لخلق وحدة وزن جديدة لقصائدهم تسمح للعروضيين بتقطيعها واستخراج تفعيلات جديدة اعتبرت فيما بعد تطويرا للعروض المعطى. وخير مثال قصيدة اليوت “أغنية حب جي الفريد بروفروك” المسكونة بخماسي التفاعيل الايامبي الذي برع به اليوت. في الحقيقة ان الكتب التي ظهرت مؤخرا حول مسالة Free Verse تكاد تؤكد أنه ليس هناك “شعر حر” واحد وإنما مئات من “الشعر الحر”، يسكنها شبح وزن ما.. بينما في الفرنسية هناك شعر واحد تتغير فيه فقط مقاربات الطرح من شاعر إلى آخر.
إن شعراء التفعيلة (كالملائكة والسياب والبياتي) هم نقطة الانطلاق الأولى للشعر الحر على الأقل بمفهوم أوائل الشعر الحر الانجليزي… لكنهم توقفوا عند الأسس (عدم الالتزام بعدد ثابت من التفعيلات، تحويل البيت من شطرين إلى سطر، مزج تفعيلات بحر بتفعيلات بحر آخر، الوقفة حيث يريد الشاعر حتى نهاية المعنى، نسف نظام الروي وجعل الصوت متنقلا، عدم خضوع الموسيقى للوزن وإنما لحالة الشاعر النفسية، التدفق)، مثبتينها قيودا خليلية جديدة دون أن يذهبوا أبعد من ذلك. لذلك اوجدت ظروف الرغبة بالتحرر في مطلع خمسينات القرن الماضي مغامرين آخرين كتوفيق صايغ، محمد الماغوط وجبرا ابراهيم جبرا إلى التوسع في امكانيات الشعر الحر وكسر كل قيد سواء كان عروضيا بالمعنى الكلاسيكي للكلمة أو او بقياسات شعر التفعيلة. كما أن هناك بندا اساسيا في الشعر الحر الأوروبي هو استغلال الطاقة التعبيرية للفقرة النثرية إيقاعيا، وجعل الجملة النثرية جزءا حيا من ايقاع الشعر فيولد شعور لدى القارئ وكأنه يقرأ كلاما نثريا، وصلاح عبدالصبور أجود مثال لهذا في الشعر الحر العربي. كما أذكر القارئ أن صايغ لم يعنون ديوانه الأول “30 قصيدة” نثر… ولم يشر إلى أنه يقدم نماذج قصيدة نثر. كما أن الماغوط لم يشر في أي ديوان من دواوينه قصائد نثر، وإنما شعر وهذا مذكور حتى في لائحة مجلة شعر لكتبها الصادرة، لكنها ميزت ديوان أنسي الحاج “لن” بـ”قصائد نثر”. وفي مقال في مجلة “الآداب” (كانون الأول عام 1962)، شتم فيه جماعة “شعر” واستهزأ بقصيدة النثر حد الاتيان بمقطعين من شوقي ابو شقرا وأنسي الحاج ليبين رداءة قصيدة النثر الذي تفتخر “شعر” بنشرها. وفي نفس المقال كتب الماغوط: “الشعر العربي الأصيل الموزون… يجب ان ينمو أيضا، ويتطور ويتجاوب مع حياتنا الجديدة المعقدة لغة وشكلا ومضمونا”.. وهنا مقطع من قصيدة الماغوط “أغنية لباب توما”، مقطع ينطلق وقعا وتدفقا من القناة اللاوعية لشعر التفعيلة الحر لكن بحرية أكثر، لأن شعر الماغوط بالأخص، هو، بكل بساطة، تطور وامتداد طبيعي لحركة الشعر الحر العربي:
ليتني وردةٌ جوريّة في حديقةٍ ما
يقطُفني شاعر كئيب في أواخر النهار
أو حانةٌ من الخشبِ الأحمر
يرتادُها المطرُ والغُرباء
ومن شبابيكي الملطّخة بالخمر والذّباب
تخرجٌ الضوضاءُ الكسولة
إلى زقاقنا الذي يُنتج الكأبةَ والعيونَ الخُضر
حيث الأقدامُ الهزيلة
ترتع دونَما غايةٍ في الظلام…
عندما كتب الماغوط هذه القصيدة في منتصف خمسينات القرن الماضي، لم تكن هناك امامه نماذج مطروحة كقصائد نثر على الاطلاق، بل حتى لم تكن ثمة تسمية من هذا النوع، وإنما كل ما كان أمام الماغوط من شعر رائج هو شعر منثور أو شعر التفعيلة، وطبعا ديوان توفيق صايغ، وترجمات ليست لها البعد التأثيري لترجمات مجلة شعر فيما بعد. ناهيك أن كل من يقرأ مقطعا كهذا سينتابه شعور عفوي وكأنه يقرأ قصيدة موزونة، بل قصيدة عمودية، سواء كان يعرف العروض أم لا… شعور يستحيل أن يحسه قارئ قصيدة النثر بالمعنى الأوروبي للكلمة. آه لو يظهر ناقد من بين عشرات نقاد الإنشاء الكسالى الذين باتوا مسيطرين على الصفحات الثقافية يتبركون بعبارات مدح على هذا وذاك، أن يعمل فكره ليكتشف لنا ما سمي في الدراسات الانجليزية: “وَحْدات وزنية مفقودة” Missing Measures
إن مواقف الملائكة ضد تطورات تيارها الشعري وتداعياته المتمثلة بشعر الماغوط مثلا، كانت لا تختلف على الاطلاق من تصريحات روّاد الشعر الحر كوليم كارلوس وليامز وباوند واليوت، المضادة لشعر أخذ ينتشر باسم “الشعر الحر” في اللغة الانجليزية، بينما هو في نظرهم شعر نثري، مما حدا بكارلوس وليامز إلى أن يتنصل من صفة شاعر حر، وباليوت إلى نفي وجود شعر حر! وحبذا أن نجد ناقدا واحدا يقوم بمقارنة لدراسة نازك الملائكة في كتابها “قضايا الشعر المعاصر” عن “بداية الشعر الحر وظروفه” مع مقالة تي اس اليوت “الموسيقى في الشعر” و”تأملات في الشعر الحر”، علّ الحقيقة تتضح بأن كل ما في مقالة الملائكة من أفكار هي عين الأفكار التي طرحها إليوت… لكن عن وعي دفاعي يخشى عواقب “التمرد” المنطقية الذي أدعت أنها رائدته.
كما لم يقل لنا جبرا إبراهيم جبرا أيضا لماذا، وهو محقٌ في هذه النقطة، أن تسمية “الشعر الحر” تصح فعلا أن تُطلق على شعره وشعر الماغوط وصايغ. كيف يمكنه إعطاء تفسير نقدي واضح، وهو، بكل بساطة، بالغائه صفة الشعر الحر من شعر الملائكة، عتّم على اللبنة الأولى لما سيتطور طبيعيا (وهذا عين ما كانت تخشاه الملائكة) من نموذج شعري مشطّر يحاذي بل يتمثل شعر التفعيلة في كل شيء ( الصورة، الجناس، الوقفة التي لاتثبت على حال، التدفق…) إلا في احترام شروط التفعيلة المعطاة.. إذ أن هذا النموذج المسمى “قصيدة نثر” اختار بوجه الإيقاع العروضي الوقعَ الانسيابي المعتمد على المعنى أكثر مما على الوزن، وعلى الإحساس أكثر من التفعيلات، معتبرا “إيقاعات النثر التي هي أكثر مرونة وشمولية، مصادرَ عروضية جديدة”، على حد عبارة كلايف سكوت..
إن ما يؤسف إليه هو أن ما يسمى خطأ “قصيدة النثر العربية” (التي لما كانت ظهرتْ لو لم تحدث ثورة الشعر الحر العربي على قيود الأوزان الخليلية) بقيت محتقرة عَروضيا حتى يومنا هذا، رغم أن لها تجارب منذ اكثر من نصف قرن، لم تجد متبحرا واحدا في العروض العربي، يخصص وقته للعثور على تفاعيل / ابحر غير معروفة للأذن العربية في عدد كبير من أفضل ما كتب تحت هذه اليافطة الخاطئة: قصيدة نثر، ويقوم بقراءة تقطيعية جديدة لها.
لقد التفت ابن خلدون، دون توضيح مسهب، إلى أن هناك أوزان لم يعرفها العرب في ظروفهم آنذاك: “… ليس كل وزن يتفق في الطبع، استعملته العرب في هذا الفن، وإنما هي أوزان مخصوصة تسميها أهل تلك الصناعة: البحور. وقد حصروها في خمسة عشر بحرا، بمعنى أنهم لم يجدوا للعرب في غيرها من الموازين الطبيعية، نظما”!
نحن اليوم في مطلع الألفية الثالثة، وما لم يجده العرب في سالف خيامهم نظما، هو اليوم يتدفق معا شكلا ومضمونا على اسفلت العولمة، يتفق في الطبع والذهن، في الروح والجسد: إنه وزن آخر من جل الموازين الطبيعية التي لم يعرفها عرب الألف الأولى.
***
كانت هناك عدة كتب بقلم كتاب كبار تناولت مسألة “الشعر الحر”، وباللغة الانجليزية التي ادعى هؤلاء السيطرة عليها: للمثال كتاب مانسيل جونز عن “الشعر الحر” طبع عام 1951 في اكبر دار نشر يعرفها بالأخص مترجموننا هؤلاء: كيمبريدج، واعيدت طباعته عام 1968. وهو يعتبر من أهم المراجع الأولى حول حركة الشعر الفرنسي في فرنسا.. وبلغة واضحة مع شهادات مؤسسي الشعر الحر الفرنسي… ويتناول الخلفية التاريخية التي مهدت للشعر الحر الفرنسي، ومن بين هذه التمهيدات قصيدة النثر.. شيء جيد أن يعرف القارئ أن قصيدة النثر الفرنسية كان لها دور في انبثاق الشعر الحر وليس كما عندنا وعلى نحو خاطئ، كما سأبين فيما بعد.
لماذا لم يُترجم هذا الكتاب الذي ظهر في السنوات الأولى من ميلاد حركة الشعر الحر في العالم العربي، وبالأخص أنه يضيء جوانب عديدة كان النقد العربي آنذاك مثلما اليوم في أشد الاحتياج إليها لتقوية أدواته النقدية في مسألة الشعر الحر التي تكاد تكون ترجمة حرفية للشعر الحر الغربي. بل لكان قد قرأ القارئ العربي أول تقديم تعريفي لمصطلح قصيدة النثر فتترسخ في ذهنه بعض مميزات هذا الجنس الجديد، ولربما لدفع التعريف عذا عددا من الشعراء الشباب آنذاك لارتكاب قصائد نثر عربية رائدة بالمعنى الصحيح للمصطلح (انظر مقالتنا التعريفية).
ومن غريب الصدف أن هذا الكتاب يبين لنا أن الشعر الحر الفرنسي أيضا رافقته سجالات من كتبَ أولا قصيدة حرة؟ “غوستاف كان” أم “جول لافورغ”، والنقاش جد حاد بين قصائد الاثنين إذ تتقارب تورايخ نشرها (كما عندنا: أيٌّ كانت أولَ قصيدة حرة: “كوليرا” الملائكة أم “هل كان حبا” للسياب)، وأن الشعر الحر مؤامرة أجنبية لتهديم نقاء اللغة الفرنسية بتهديم عموده الأساسي البحر الاسكندراني (كما أشيع عندنا في خمسينات القرن الماضي بأن الشعر الحر مؤامرة لزعزعة التراث العربي)، وأن الترجمة الفرنسية لبعض قصائد ويتمان هي التي مهدت الطريق لظهور الشعر الحر، وأُستعملَ في هذه الترجمة أسلوبٌ وزني سيعرف فيما بعد باسم الشعر الحر وكان له دور مؤثر على “كان” و”لافورغ” الذي قام بترجمة ويتمان، وهذا الاعتبار لا يختلف عن طروحات عدد من النقاد العرب بأن ترجمات باكثير لشكسبير سبقت نماذج الشعر الحر العربي الأولى وكان لها دور مؤثر على الملائكة.
***

 

من خلال بحثي عن مصادر تتناول قضية “الشعر الحر”، وجدت ما يقارب 9 كتب حديثة بالانجليزية ساذكرها في مراجع الحلقة الثانية من هذا المقال، أما في الفرنسية فلم أجد (طبعا باستثناء التعريفات المقتضبة التي نجدها في المعاجم الفرنسية) سوى كتاب صغير واحد (70 صفحة من القطع الصغير) يتناول الشعر الحر: “أوائل شعراء الشعر الحر” وهو محاضرة ألقاها احد روّاد الشعر الحر: ادوار دوجاردان في السوربون عام 1922. بينما في الانجليزية هناك عشرات الكتب ومئات المقالات التي تتناول قضية الشعر الحر… وخصوصا خلال السنوات العشر الأخيرة، ظهرت كتب عميقة تعيد النظر في كل مسالة الشعر الحر بأسلوب ممتع وصارم مصطلحيا. وقد يستغرب القارئ متسائلا: كيف والشعر الحر الانجليزي هو ابن الشعر الحر الفرنسي؟ لكل شيء جواب، وهنا جزء بسيط منه: أن الشعر الفرنسي مقطعي أي وحدته الوزنية تقوم على عدَ المقاطع اللفظية وتساويها من بيت إلى آخر. وتجدر الإشارة هنا إلى أن رسالة البيان التحرري من العروض الكلاسيكية، لحركة الشعر الحر تتجلى في حذف s الجمع من كلمة Libre وكلمة Vers في المفهوم اللساني الكلاسيكي هي دائما جمع لأن البيت الاسكندري يتكون من شطرين لذلك أي نعت يضاف الى Vers ، كما في تيار Vers Libérés ، فأن s الجمع يضاف.
بينما اللغة الانجليزية لغة نبرية ومن هنا تقوم وحدة الوزن الشعري على تفعيلة مكونة من مقطعين كما في البحر الأكثر شيوعا الايامبي، وعلى ثلاث مقاطع كما في البحر الانابيست. على أن القياس الوزني للتفعيلة في الشعر الحديث يقوم على المقاطع المنبورة وغير المنبورة على عكس ما كان معروفا في الشعر الانجليزي الكلاسيكي المقطع الطويل والقصير. لكن في الشعر الحر، كما اوضح باوند: “يمكن تشخيص التفعيلة، المتفق عليها في الشعر الكلاسيكي، لكن الوزن، كما هو معرف تقليديا، لا يظهر”. أو بعبارة اليوت الشهيرة: “على شبح وزن بسيط ما، أن يترصّدَ من وراء الستارة حتى في الشعر “الأكثر حرية”؛ فيتقدّم على نحو مهدّد ما إن نغفو، ويتراجع ما إن نصحوا. الحرّية حريةٌ حقا عندما تظهر إزاء قيد مصطنع”. ومعظم الدراسات المعاصرة للشعر الحر المكتوب باللغة الانجليزية، تحاول تقطيع هذا الشعر وايجاد وحدات وزنية شبه مفقودة تتوافق، بشكل ما، مع وحدة الوزن المعروفة.
هذا شيء لا وجود له في الشعر الفرنسي، إذ كل ما يحتاجه التحرر من قيود الوزن عند الشاعر الفرنسي هو إلغاء حساب المقاطع لاغير (طبعا ينحو كل شاعر حقيقي إلى الاعتناء بتقطيع يتقاطب ووقع أحاسيسه وأسلوب يتماشى وتدفق أفكاره). وعندما يلغى عَـدُّ المقاطع ويعود الشاعر لا يفكر به، لا تعود هناك التباسات كثيرة مثلما موجود في الشعر الحر الانجليزي، تحتاج إلى شروح ومساجلات، وكما وضح دوجاردان: “الشعر الحر يجهل عدّ المقاطع syllabes “. ناهيك أن ظهور السوريالية نسف فكرة وجود “فن شعري”، نموذج يُتبع، إذ أعادت السوريالية للمخيلة البشرية حقها الأساسي باتخاذ الشكل الذي يتدفق في آن مع تعبيرها.
***
أما حركة “التصويريين” التي اطلقت الشعر في اللغة الانجليزية، فليس هناك مرجع عنها بالعربية.. والأنكى أنه كانت هناك فرصة كان يمكن للقارئ العربي أن يطلع من خلالها على هذه الحركة تعريفا ونقدا في الكتاب الذي اشترك فيه عدد كبير من الاخصائيين، حرره لدار بنغوين مالكولم برادلي وجيمس ماكفارلن: “الحداثة”.. والذي قام بترجمته الى العربية مؤيد حسن فوزي وصدر بجزئين في بغداد (1990)… إلا أن المقال المتعلق بحركة “التصويريين” لم تتم ترجمته وحذف من الطبعة العربية لسبب جد بسيط هو ان كاتبه نتان زاخ شاعر إسرائيلي، وثقافة اللاتطبيع تتطلب هذا التجهيل! لحسن حظ القارئ ان كاتب مقال “قصيدة النثر والشعر الحر” كلايف سكوت لم يكن إسرائيليا. فمقاله رغم الترجمة الركيكة يسلط بعض الضوء على هذين الجنسين المنفصلين. وتجدر الاشارة هنا إلى أن لكلايف سكوت كتابا جد مهم بالانجليزية حول “الشعر الحر”: يتبع فيه طريقة جديدة نبرية يستطيع اثبات أن عددا من قصائد الشعر الحر الفرنسي الرائدة مهما تحررت لم يمكنها الابتعاد عن النموذج المتمردة عليه.
هناك معجم جد كبير حرره الأديب الراحل مجدي وهبة صدر عن مكتبة لبنان: “معجم مصطلحات الأدب”. ومن المعروف أن مجدي وهبة شخصية ثقافية متبحرة في علوم الأدب، ومعجمه هذا يدل على المام كامل بكل مصطلحات الأدب، مستعملا طريقة جديدة يقدم مقتبسات بالانجليزية والفرنسية لأدباء أجانب كبار تعرف مفهوم الشاعر، ثم يقدم تعريفا مفصلا تارة وتارة مقتضبا بالعربية.
لكن… مما يؤسف له أنه أولا، لم يكتب إشارة واحدة إلى جنس “قصيدة النثر”، وكأنها غير موجودة مع العلم أن تعريفا بها مذكور في كل المعاجم الفرنسية والانجليزية التي استعان بها. وثانيا خلط في تعريفه بالعربية لـ”الشعر الحر”، بين مميزات اتجاهين مختلفين: هما Vers libérés أي “الشعر المُحرّر” أو المتحلل من بعض قيود وزنية لكن دون المس بأسس العروض الفرنسي وأفضل من يمثل هذا الاتجاه هو بول فيرلين، وتيار Vers libre “الشعر الحر” المتحرر كليا من قواعد العروض الفرنسي.
***
هناك أخطاء فادحة شائعة وسط الشعراء والنقاد وأتباعهم القراء:
بأن فيرلين هو رائد الشعر الحر بينما كان من أكثر المتحفظين على تيار الشعر الحر Vers libre وعلى عكس مالارميه الذي رحب بالشكل الجديد مع التزامه كتابيا بالبحر الاسكندري (وسمي نسبة إلى ملحمة كتبت في تمجيد ألكسندر ذي القرنين يتكون فيها البيت الشعري من شطرين تفصلهما فاصلة وزنية وفي كل شطر ستة مقاطع). لم يكتب بول فيرلين قصيدة واحدة تعتبر شعرا حرا، على العكس أنه كتب قصيدة ابيغرام الشهيرة يستهزئ فيها من هرولة الجيل الجديد الى كتابة الشعر الحر.
وبأن بودلير اخذ من وولت ويتمان، بينما لم تترجم بعض قصائد ويتمان الا بعد موت بودلير وليست هناك وثيقة واحدة تؤكد أن بودلير قرأ ويتمان او سمع به، بل على العكس، إن ويتمان هو الذي سمع ببودلير عن طريق مقالة لسان بوف ترجمت إلى الانجليزية يتطرق فيها إلى أفكار بودلير في مفهوم الحداثة، وقرأها ويتمان واقتبس منها مقطعا لبودلير، في مقدمته لـ”اوراق العشب”.
وبأن الشعر الحر الأوروبي غير موزون… وبأن الشعر الحر الأوروبي موزون… وبأن التحرر من الوزن نفسه في فرنسا كما في ألمانيا، أو انجلترة، بينما كل لغة لها إيقاعها العضوي الذي يفرض في نهاية الأمر مسار التحرر من قيوده… وبأن بأنّ، بأنّ، بأن الخ.

الحلقة الثانية: انبثاق حركة الشعر الحر في فرنسا، دور الترجمة الفرنسية لبعض قصائد ويتمان، الإحياء الانجليزي للشعر الحر

هذا هو الشعر الحر وليس.

Ghassan Zaqtane

1954 (Beit Jala, Bethléem, Cisjordanie)-

 

En 1967, Ghassan Zaqtane part avec sa famille pour Amman puis Moscou où il finit ses études secondaires. Il rejoint les organisations palestiniennes à Beyrouth en 1979 et part pour Damasse en 1982 après l’invasion israélienne. Il s’installe en 1986 à Tunis, où il dirige quelques années plus tard la revue littéraire al-Bayadir (Aires). Journaliste, rédacteur en chef de la revue publiée par La Maison de la Poésie de Palestine al-Chou‘raa (Les poètes), il vit aujourd’hui à Ram Allah. Auteur de différents recueils poétiques on retiendra en particulier Bannières (1984), L’héroïsme des choses (1988) et Ciel léger (1992). Sa poésie qui se nourrit de fines observations, capte l’éphémère avec des images dissonantes et morcelées qu’il transforme en ex-voto à la mémoire blessée.

 

 

Paysage

 

Ils s’élèvent sans un regard

Leur silence couvre leurs présences

Leurs propos diminueront tout en haut.

Dans les plaines, le sommeil de la création

Et la solitude des tués

Résonnent clairement.

En bas…

Les carillons du regret profond s’élèvent

En bas… les arcs des collines répartissent la lumière blafarde

En bas… les lieux se rejoignent…

Et l’on peut voir l’immensité de la terre

Où sans aucune intention ils s’assiéront.

 

 

Présence

 

Il est là qui mêle tout dans la nuit

Qui empoigne le cœur

Et illumine la chambre des morts.

 

Le chien soudain se tait

Les meubles se font plus sombres.

 

Soudain…

Le jasmin cogne ses branches contre la vitre.

 

Des pas gravissent les trois marches

Des pas dans le couloir

Des pas dans l’ombre

Des pas… comme l’absence.

 

Les fleurs depuis deux jours fanées

Relèvent leurs pétales…

 

Au tableau, le joueur de luth

Relâche les doigts…

 

Soudain…

La poignée de la porte !

 

La complainte du mari

 

La nuit

Lorsque mon miroir sèche et que crie mon mari

Qu’une fenêtre, en rafale se lève

Devant ma maison, sur le muret

Qui semble plus haut dans la nuit,

… Tu es là-bas, nette  et tranchée devant le feu

Ta voix effleure les objets…

Souvenir de nos pas sur le seuil,

Souvenir de deux palmiers à la hauteur obscure

Souvenir de l’attente du fleuve,

Souvenir…

… Nulle fleur sur le marbre

Nulle litanie dans l’air

La méditation des roues luit sur la boue des champs.

Une obscurité bat de toute sa vivacité… et se pose

Souvenir

Puis souvenir

Puis mon odeur…

Rien que mon odeur.

(Layla al-Massri)


 Salim Barakat

1951 (Qamechli, Syrie)-

 

Kurde du nord de la Syrie, Salim Barakat quitte en 1971 son pays pour ne jamais y revenir. Exilé à Beyrouth puis à Chypre, il se voue à la littérature, devient secrétaire de rédaction de la revue dirigée par Mahmoud Darwich Al Karmel, avant que ses pérégrinations ne l’éloignent de la Méditerranée pour le conduire à Stockholm. Il est surtout connu en France pour ses romans traduits par François Zabbal chez Actes Sud. Pour l’essentiel, son inspiration est tirée de sa vie et de l’histoire du peuple kurde. Auteur d’une douzaine de recueils, sa poésie défie tout traducteur tant elle utilise, dans des relations incongrues, des mots obsolètes. D’apparence quasi automatique sa veine poétique, dans un souffle identitaire et pastoral, sonde à la fois l’inconscient collectif et la conscience malheureuse de son peuple.

 

 

Deuxième courbe de la rue Aphrodite

 

Suspends la nuit,

Suspends la nuit comme ton chapeau

Et appelle le jour, cocher brisé près de ta calèche vide.

 

Quatre-vingt-dix degrés au-dessous de la menthe

et trente au-dessus des girofles

Quatre-vingt-dix degrés à la merci des muscles qui tout doucement s’amollissent du scandale de la cellule et de l’irruption, hier, d’enfants semblables à l’appel avancé d’un lendemain d’âge mûr.

Alors approche, toi qui suspends la nuit comme ton chapeau et fixes longuement près de ta calèche vide, le jour, ce cocher que tu n’appelles point.

 

Ô toi l’annonciateur de la résurrection de la vigne et du jugement du vent, approche-toi des chefs de file qui décrivent le soir caché dans la parole du jardin échangeant des cigarettes allumées sous la poussière familière que tu couvris de ta brise intime. Oublie tes distances confuses et ce soir qui glissa, que tu essayas de soutenir avant que vous ne sombriez ensemble dans une rhétorique se pavanant avec sa soirée.

 

Ô toi le guide de tes villages, tu es à quatre-vingt-dix degrés dans la rosée.

 

 

La millième courbe qui s’accrocha à moi après la foudre

 

J’entrerai dans cette maison quand je jetterai mes os dans l’âtre.

J’entrerai dans cette maison, m’accrochant à l’endroit insaisissable, à la sépulture qui me soutient de ses cachettes de hyacinthes et aux tigres verts escaladant l’arcade des ténèbres bénies vers mes désirs.

J’entrerai dans cette maison par sa dixième porte et par sa vacuité aussi lisse que les trois marches du seuil. Je couperai les gâteaux d’hier en tranches digitales soulevant les mains avec les éventails de la mort vers l’éternité libre dans ses chaînes, vers moi et mes compagnons quand ils jettent du haut de leurs terrasses les couches du jour et rient sous les masques cléments et l’opalescence des profondeurs dans lesquelles soufflent les césars obtus.

J’entrerai dans cette maison

J’entrerai dans cette maison, avec…

J’entrerai dans cette maison avec mes mille otages

J’entrerai dans cette maison avec les tornades

que nulle écriture ne parvient à calmer.

J’entrerai dans cette maison, avec la distraction de la terre et la grisaille des gouttes d’eau.

J’entrerai dans cette maison, les yeux baissés comme un aïeul dont les petits enfants cachent le dernier soulier.

J’entrerai dans cette maison sans saluer

et me dirigerai vers l’âtre pour ramasser mes os.

(A. K. El Janabi et Mona Huerta)


Fadhil al-Azzawi

1940 (Kirkuk, Irak)-

 

Poète, journaliste et romancier Fadhil al-Azzawi a joué un grand rôle dans l’innovation poétique irakienne des années 1960. Très actif dans le journalisme culturel, il fonde en 1969 la revue d’avant-garde irakienne Poésie 69 et participe à de nombreuses activités littéraires. Il prend en 1977 le chemin de l’exil et part pour l’Allemagne où il entame de nouvelles études qu’un doctorat sur l’évolution de la culture arabe analysée à partir du cas de l’Irak, viendra couronner. Son œuvre compte des romans, des essais et une douzaine de recueils de poésie dont L’arbre oriental (1975), Voyages (1976), Un homme jette des pierres dans un puits (1990) et Au bout de tous les voyages (1993). Sa poésie puise à l’expérience du surréalisme et des autres tendances de la modernité arabe et européenne. Expérimentale elle s’inscrit dans un registre fantastique et ne cesse de questionner la réalité arabe avec un lyrisme imagé et plein d’humour.

 

 

Poème auto-dévorant

 

Ils ne viennent ni dans les poèmes ni dans les mots du voyage

Ils ne viennent ni dans les poèmes ni dans les mots

Ils ne viennent ni dans les poèmes ni

Ils ne viennent ni dans les poèmes

Ils ne viennent ni dans

Ils ne viennent ni

Ils ne viennent

Ils ne

Ils

 

 

Le piège

 

Parfois traversant un fleuve

Nous nous voyons dans une autre époque

Parfois, fixant un miroir

Nous nous voyons dans la prison

Parfois harponnant une femme

Nous nous voyons dans l’exil

Parfois lisant des poèmes

Nous nous voyons dans la prose.

 

Savez-vous ce que nous devons faire ?

 

 

La cheminée

 

Une cheminée exhale de la fumée dans le vent

Parfois elle exhale des rêves,

De la tristesse

Elle exhale des traces d’hommes

Rapportant dans la chambre la parole des anciens

Elle exhale le silence d’une femme

Entre les bras d’un homme

Se rappelant la capitale de terreur

érigée dans le désert

Elle exhale nos souvenirs

 

Cette cheminée nous exhale jour après jour

Dans la nuit d’un autre ciel

Dans le vent.

 

 

Doigts

 

La répression se tient debout

Devant un arbre

Et tel un roi devant son peuple

Fait des signes de la main

à ses enfants

 

La répression va à l’histoire

Et lui rend ses faux billets

La répression pose sa main humide

Sur mon front

Et essuie mes larmes

Avec ses doigts.

 

 

Dieu et Satan

 

On parle dans le premier chapitre

De Satan désobéissant à Dieu

Dans le second

De Dieu chassant Satan du paradis

Dans le troisième

De la perplexité d’Adam

Dans le quatrième

Du déluge.

 

Enfin arrive le héros qui capture Satan

Et le bon Dieu règne sur le monde.

 

Alors de quoi parler ?

Dans le cinquième

Le sixième

Le septième

le huitième

Etc.

 

 

La porte

 

Une porte condamnée dans un champ abandonné

Des oiseaux blancs

Brillent sur une violette noire où le sang a coulé

– Quelles sortes de secrets peut garder une porte condamnée ?

– L’ouvrirai-je

L’enfant s’approche faisant fuir les oiseaux

– N’ouvre pas une porte condamnée

Peut-être venant du désert arabe

Vont surgir tes aïeux,

Une nuit éternelle,

Un soldat poignardé en plein cœur,

Ou encore un bourreau

Qui te tranchera la tête

Laisse cette porte de la nuit, mon enfant,

Laisse-la briller

Comme argent dans un champ abandonné,

Condamnée.

 

Rêves

 

Des fantômes s’assoient dans la prairie

Troquant rêves et quolibets

Des oiseaux de métal

Se perchent sur les branches

Et gazouillent pour l’histoire.

Ô rebelle ébloui, ne donne pas ton nom,

à ce qui n’a pas de nom

Ô conquérant, ne verse pas ton nom sur le sable !

 

Un mammouth noir pâture

Un cheval hume le cadavre d’un aviateur

Attaché à son parachute blanc

Un téléphone sonne dans une retraite

Je décroche bouleversé

Et converse avec moi même

à l’autre bout du fil

 

 (A. K. El Janabi et Mona Huerta)


Youssef Abou Lauz

1956 (Qaryat al-Kafeer, Jordanie)-

 

D’origine palestinienne, Youssef Abou Lauz poursuit ses études à Amman (Jordanie) avant d’embrasser la profession d’enseignant qu’il exerce successivement en Algérie, en Arabie Saoudite et dans les émirats Arabes Unis où il s’établit pour entreprendre une carrière de journaliste. Après des débuts au trimestriel Chu’un adabiyya (Questions littéraires), il s’engage dans la rédaction culturelle de l’hebdomadaire Chourouq. Il est membre de l’Union des écrivains jordaniens et de l’Union des écrivains des émirats. Avec des images qui s’appuient sur un discernement acéré du réel, sa poésie interroge les substrats du langage pour célébrer le quotidien et les aspirations des gens. Son deuxième recueil Fatma se rend de bonne heure au pré (1983) a été honoré par le prix de l’Union des écrivains arabes de Damas.

 

 

Le bluff de la poésie

 

Tu m’avais dit : « Cinq poèmes suffisent

Pour bâtir une maison.»

Alors je me suis jeté sur la poésie,

Mangeant le poisson de mon langage

Et couchant avec des sorcières

Blanchies au champ de bataille de la magie.

M’as-tu jamais vu obtenir la moindre maison ?

 

 

Les meubles du poète

 

Sur les marches, des livres assassinés,

Là, de la musique,

Des images épousant les rugosités du mur,

Un miroir dont le vestibule abrite la nuit

Blanche comme la mort,

Deux souliers jetés derrière la porte,

à la merci de l’obscurité et du froid,

Un lit, des femmes évanescentes,

Et un monde de métaphores.

Dans la chambre du poète on trouve tout cela

Mais une larme restée suspendue

à son cil gauche n’est pas tombée sur le siège,

La chambre pourra-t-elle lui trouver une place ?

La mer dormira-t-elle dans un coin auprès de la bougie ?

 

Ô visiteurs, espacez vos rondes nocturnes !

Pesant sur mon cœur comme un rocher de silex 

Quatre épouses y demeurent : ma poésie, mon vin,

Les reliefs d’une image d’amour et une aiguière de perdition.

 

Dors, poète, un mois encore

Car aucun soleil ne va se lever.

 

Le sommeil

 

Le sommeil est un jouvenceau peigné sur le côté

Son costume est en soie,

Et ses chemises en bribes de nuages.

 

Qu’il est ondoyant ce garçon !

Blanc comme le lait

Avec des souliers de vocable et de fumée

Il vient nous voir

Et de ses parfums enduit nos épaules.

 

Le sommeil coule ça et là,

De douceur, il couvre les femmes,

Les embrasse sur les lèvres,

Salue les hommes et s’en va.

 

Le sommeil,

Ce jeune amant qui connaît déjà tout de l’amour

A fini par s’établir dans les yeux,

Il y a bâti sa demeure et a renoncé à Dieu,

Il peut chanter ou s’emporter.

 

Si seulement j’avais été son fils,

Son cousin ou encore son frère de même père,

J’aurais mis à l’essai tous les yeux,

Et me serais lassé des femmes,

Jusqu’à épuisement.

 

 

(Antoine Jockey, A. K. El Janabi et Mona Huerta)


Abdallah Zrika

1953 (Casablanca, Maroc)-

 

Selon son traducteur, Abdellatif Laâbi, « Les poèmes d’Abdallah Zrika sont comme des roses sauvages qui auraient poussé parmi les immondices. De ce champ indigne elles tiennent les couleurs de l’anémie et des accès de fièvre. Rabougries, brûlées avant d’éclore, elles ne sont pas là pour l’agrément et le plaisir des sens. Fleurs du mal de vivre, elles sont à l’image des condamnés de l’existence qui habitent encore ce bidonville de Casablanca où Zrika est né ». Dès sa douzième année Abdallah Zrika écrit de la poésie et ne cessera de le faire. Ses lectures attirent les foules et c’est pour atteinte à l’ordre public qu’il est emprisonné à la fin des années 1970. Après une année de vie carcérale, il publie en 1980 deux recueils où transparaît son inquiétude de l’utilité et de la finalité de l’écriture : « Les mots me font peur. J’ai le sentiment parfois que ce sont des ombres qui me poursuivent, me pourchassent. L’homme écrit, écrit, mais la feuille blanche reste obstinément blanche… Que veut-il écrire, que veut-il dire cet homme qui essaie depuis l’aube des temps de remplir les pages blanches de signes noirs ? Tout ce qu’il écrit se noie dans la blancheur de la feuille. C’est pour cela que je vois les mots comme des cadavres et la feuille blanche comme un linceul ».

[Rires de l’arbre à palabre (L’Harmattan, 1982), Bougies noires (La Différence, 1998), Petites proses (L’Escampette, 1998)].

 

 

Rouge des pantalons du soleil

 

I

Ah comment voir

alors que mon œil est circoncis

 

Est-ce cela la terre

ou un caillou pour les ablutions

 

C’est quoi cette route qui s’étend du harem au paradis

 

Et cette femme qui n’a trouvé que le dos de son serviteur pour se hisser et regarder un cercueil passer sous sa fenêtre

 

Ces fontaines se déversant de la rouille d’une gorge

 

Ces astrologues empêchés par les mouches d’observer le ciel

 

Ces labyrinthes qui conduisent à la morsure d’un chien

 

Mais je ne savais pas qu’entre l’Orient et l’Occident

il y a un voile

et un chapelet de péchés

 

II

 

Comment ta main ne deviendrait-elle pas une pute

si tu peins chaque jour

 

Comment serait-elle si la toile devenait un champ

et ton œil un corbeau

 

Qu’auraient fait Monet Renoir et Pissarro

s’ils n’étaient pas sortis à l’air libre

 

Et puis comment serait la couleur de la folie sinon jaune

 

Que vaut un trait s’il n’est pas comme le fil du rasoir

 

As-tu vu ce visage comme un pain rond

ces femmes comme des patates

et ce soleil qui ne sert à aucun matin

 

Qu’aurait fait Matisse s’il n’avait pas soufflé

dans un pantalon rouge

 

à quoi aurait servi cette chaise cassée si elle n’avait pas attendu

que Van Gogh sorte du désert d’un hôpital

 

III

 

Ingres

Pourquoi le corps commence-t-il par le dos

 

Degas

Qui danse

La taille ou le vide

 

Michal-Ange

Quelle Renaissance y a-t-il si ce n’est la renaissance du corps

 

Aurait-on pu découvrir l’Amérique avant de découvrir les replis

du corps

 

J’ai oublié comment je suis entré dans ce très vieux bar

où Manet revêtait un pantalon olive froissé

Bonnard aidait une femme à enlever sa chemise

Matisse peignait un mollet avec le bleu de ses yeux

Et où je n’ai vu personne d’autre

 

à la porte j’ai vu Modigliani essayant de monter la bicyclette

d’une femme qui s’était penchée par mégarde

(Abdellatif Laâbi)

الإيقاع لروبرت كريلي 
ترجمة عبدالقادرالجنابي

الترجمة الإيقاعية هذه عن الأصل الانجليزي للقصيدة التي لخص فيها الشاعر الأمريكي روبرت كريلي نظريته في “الإيقاع”… مهداة إلى الشاعر الصديق سلطان القحطاني

كلـّهُ إيقاعُ مِنْ
مُنغلقِ البابِ،
الى مفتتح النافذةِ.
الفصولُ، القمرُ
وضياءُ الشّمس واليمُّ،
ونماءُ الأشياءْ

عقلُ البَشرْ
فَرديٌ،
يأتيهمُ
من جديدٍ
فاكرًا
النهايةَ
ليست بخاتمةٍ.

الزمنْ عائدٌ
بينما هم مَواتٌ
على أنَّ شخْصًا
سِواهم يجيءْ
إنْ أنا ميّتٌ في الردى
آيضًا في الحياةِ أنا أحتضرْ،
أحتضرْ..
ها بكاءُ النساءِ، يمتْنَ،
يعيش الفتى للكهولة قطْ.
يَيْبَسُ العشبُ والقوّةُ زائلهْ
غير أنّ لها عَوْدةً ثانيهْ
لا علاقةَ بيْ أبدًا…
هيَ أيْضًا تموتْ.

يُسقطُ الإيقاعُ منهُ
ألتواترْ
مُخضعًا لهْ
كلَّ شيءٍ
فمن السقفِ الى الأرضِ،
منَ الكوّة حتّى البابِ،
نورٌ مع كلّ انفتاحٍ
ظلمةٌ كلَّ انغلاقٍ

الإيقاع لروبرت كريلي.